الخلق والأمر لله. فمضيت به إلى حجرة، قد جلس فيها وحده، فأوقفته، ثم دخلت لأستأذن، فإذا هو إلى جانبي قد حول وجهه إلى نحو دار عز الدولة، ثم استفتح وقرأ {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ} قال: ثم حول وجهه وقرأ: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} فأخذ في وعظه فأتى بالعجب، فدمعت عين الملك، وما رأيت ذلك منه قط، وترك كمه على وجهه، فلما خرج أبو الحسين قال الملك: اذهب إليه بثلاثة آلاف درهم، وعشرة أثواب من الخزانة، فإن امتنع فقل له: فرقها في أصحابك، وإن قبلها، فجئني برأسه. ففعلت، فقال: إن ثيابي هذه فصلت من نحو أربعين سنة، ألبسها يوم خروجي إلى الناس، وأطويها عند رجوعي، وفيها متعة وبقية ما بقيت، ونفقتي من أجرة دار خلفها أبي، فما أصنع بهذا؟ فقلت: فرقها على أصحابك، فقال: ما في أصحابي فقير، فعدت فأخبرته، فقال: الحمد لله الذي سلمه منا وسلمنا منه.
وقال أبو سعيد النقاش: كان ابن سمعون يرجع إلى علم القرآن، وعلم الظاهر، متمسكاً بالكتاب والسنة، لقيته وحضرت مجلسه، سمعته يسأل عن قوله: أنا جليس من ذكرني، قال: أنا صائنه عن المعصية، أنا معه حيث يذكرني، أنا معينه.
وقال السلمي: سمعت ابن سمعون، وسئل عن التصوف، فقال: أما الاسم فترك الدنيا وأهلها، وأما حقيقة التصوف فنسيان الدنيا ونسيان أهلها. وسمعته يقول: أحق الناس يوم القيامة بالخسارة أهل الدعاوى والإشارة.
وقال أبو النجيب الأرموي: سألت أبا ذر هل اتهمت ابن سمعون بشيء؟ فقال: بلغني أنه روى جزءاً عن أبي بكر بن أبي داود، كان عليه. مكتوب: وأبو الحسين ابن سمعون، وكان رجلاً، آخر سواه، لأنه كان صبياً، ما كانوا يكنونه في ذلك الوقت، وسماعه من غيره صحيح.
قال أبو ذر: وكان القاضي أبو بكر الأشعري وأبو حامد يقبلان يد ابن سمعون إذا جاءاه، وكان القاضي أبو بكر يقول: ربما خفي علي من كلامه بعض الشيء لدقته.