العلمين، وذكر الفلسفة، وحسنها في قلوب أهل الشرع بآيات يتلوها عندها، وأحاديث يذكرها.
ثم كان في هذا الزمان المتأخر رجل من الفلاسفة يعرف بابن سينا، ملأ الدنيا تواليف في علوم الفلسفة، وهو فيها إمام كبير، وقد أداه قوته في الفلسفة إلى أن حاول رد أصول العقائد إلى علم الفلسفة، وتلطف جهده حتى تم له ما لم يتم لغيره، وقد رأيت جملًا من دواوينه، ووجدت هذا الغزالي يعول عليه في أكثر ما يشير إليه من علوم الفلسفة.
إلى أن قال: وأما مذاهب الصوفية، فلست أدري على من عول فيها، لكني رأيت فيما علق عنه بعض أصحابه، أنه ذكر كتب ابن سينا وما فيها، وذكر بعد ذلك كتب أبي حيان التوحيدي، وعندي أنه عليه عول في مذاهب الصوفية، وقد أعلمت أن أبا حيان ألف ديوانًا عظيمًا في هذا الفن، ولم ينقل إلينا شيء منه.
ثم ذكر المازري توهنة أكثر ما في الإحياء من الأحاديث، وقال: عادة المتورعين أن لا يقولوا: قال مالك، قال الشافعي، فيما لم يثبت عندهم، وفي كتابه مذاهب وآراء في العمليات هي خارجة عن مذاهب الأئمة، واستحسانات عليها طلاوة، لا تستأهل أن يفتى بها، وإذا تأملت الكتاب وجدت فيه من الأحاديث والفتوى ما قلته، فيستحسن أشياء مبناها على ما لا حقيقة له، مثل قص الأظفار أن تبدأ بالسبابة، لأن لها الفضل على بقية الأصابع، لأنها المسبحة، ثم تقص ما يليها من الوسطى، لأنها ناحية اليمين، وتختم بإبهام اليمنى، وذكر في ذلك أثرًا.
وقال: من مات بعد بلوغه ولم يعلم أن البارئ قديم، مات مسلمًا إجماعًا، ومن تساهل في حكاية الإجماع في مثل هذا الذي الأقرب أن يكون فيه الإجماع يعكس ما قال، فحقيق أن لا يوثق بما نقل.
وقد رأيت له في الجزء الأول أنه ذكر أن في علومه هذه ما لا يسوغ أن تودع في كتاب، فليت شعري، أحق هو أو باطل؟ فإن كان باطلًا فصدق، وإن كان حقًا، وهو مراده بلا شك، فلم لا يودع في الكتب، ألغموضه ودقته؟ فإن كان هو فهمه، فما المانع من أن يفهمه غيره؟!.