يومًا. وقيل: إنّ هولاكو كان معهم. ثمّ التمسوا فتْح أبواب البلد ليدخلوا لشراء الأقوات وغيرها ويرحلون. ففتح لهم، فتردّدوا في الدّخول والخروج ثلاثة أيام، ثمّ صعدوا على سور ماردين، ودقّوا الطَّبْل، وهجموا البلد بالسّيف، فقاتلهم أهله ودرَّبُوا الشوارع وطردوهم، فدام القتال شهرين إلى أن فتح لهم بعض مقدّمي البلد درْبًا فملكوه، ودخلوا منه إلى الجامع، وصعدوا المنائر، ورموا منها بالنّشّاب، فضعُف النّاس، واحتموا بالكنائس، وصعِد بعضهم إلى القلعة، وملكت التّتار البلد، ونصبوا المجانيق على القلعة، وهي ستّة، فلم يصل إلى القلعة منها إلاّ ثلاثة أحجار. واستمر الحصار إلى آخر السّنة، ووقع الوباء في القلعة، فمات الملك السعيد فيمن مات، وهلك الخلْق. ورمى رجلٌ نفسَه من القلعة وأخبر التّتار بموت السّلطان، فبعثوا إلى ابنه الملك المظفّر وطلبوا منه الدخول في الطّاعة.
وفي وسط العام قُرئ بدمشق كتابُ هولاكو بسبب النّاصر، وذلك قبل أن يصل إليه. وهو: أما بعد، فنحن جنود الله، بنا ينتقم ممّن عتا وتجبّر، وطغى وتكبَّر، وبأمر الله ما ائتمر. إن عوتب تنمّر، وإن روجع استمر. ونحن قد أهلكنا البلاد، وأبدْنا العباد، وقتلنا النسوان والأولاد. فأيُّها الباقون، أنتم بمن مضى لاحقون، ويا أيّها الغافلون أنتم إليهم تُساقون. ونحن جيوش الهلكة، لا جيوش الملكة، مقصودنا الانتقام، وملكنا لا يرام، ونزيلنا لا يُضام، وعدْلُنا في مُلْكنا قد اشتهر، ومن سيوفنا أين المفر؟ أين المفرّ ولا مفرّ لهاربٍ ولنا البسيطان الثّرى والماءُ ذّلت لهيبتنا الأسودُ وأصبحت في قبضتي الأمراء والخلفاءُ ونحن إليكم صائرون، ولكم الهرب، وعلينا الطلَّب.
ستعلم ليلى أيَّ دين تديَنَتْ وأي غريم بالتَّقاضي غريمُها دمّرنا البلاد وأيتمنا الأولاد، وأهلكنا العباد، وأذقْناهم العذاب، وجعلنا عظيمهم صغيرًا، وأميرهم أسيرًا. تحسبون أنّكم منّا ناجون أو متخلّصون، وعن قليل سوف تعلمون على ما تقدمون، وقد أعذر من أنذر.
وأمّا رُكن الدّين بيْبَرس البُنْدُقْداري فإنه فارق الملك النّاصر من الرمل، واتّفق هو والشَّهرزُوريَّة بغزَّة، وتزوَّج ببنت بركة خان أحد ملوكهم، ثمّ بعث