دينار. فقال: أعطوه مائة دينار لإبراء ذمته، ومائة لإبراء ذمتي. فأحضرت في الحال.
وما أحسن قول الحيص بيص في قصيدته في الوزير:
يهز حديث الجود ساكن عطفه كما هز شرب الحي صهباء قرقف إذا قيل عون الدين يحيى تألق الـ غمام وماس السمهري المثقف
قال: وكان الوزير يتأسف على ما مضى من زمانه، ويندم على ما دخل فيه. ولقد قال لي: كان عندنا بالقرية مسجد فيه نخلة تحمل ألف رطل، فحدثت نفسي أن أقيم في ذلك المسجد، وقلت لأخي محب الدين: أقعد أنا وأنت وحاصلها يكفينا. ثم انظر إلى ما صرت. ثم صار يسأل الله الشهادة ويتعرض لأسبابها. وفي ليلة ثالث عشر جمادى الأولى استيقظ وقت السحر فقاء، فحضر طبيبه ابن رشادة فسقاه شيئًا، فيقال إنه سمه، فمات وسقي الطبيب بعده بنصف سنة سمًا، فكان يقول: سقيت كما سقيت؛ فمات. ورأيت أنا وقت الفجر كأني في دار الوزير وهو جالس، فدخل رجل بيده حربة، فضربه بها، فخرج الدم كالفوارة، فالتفت فإذا خاتم ذهب، فأخذته وقلت: لمن أعطيه؟ أنتظر خادمًا يخرج فأسلمه إليه. فانتبهت فأخبرت من كان معي، فما استممت الحديث حتى جاء رجل فقال: مات الوزير. فقال واحد: هذا محال أنا فارقته في عافية أمس العصر. فنفذوا إلي، فقال لي ولده: لا بد أن تغسله. فغسلته، ورفعت يده ليدخل الماء في مغابنه، فسقط الخاتم من يده حيث رأيت ذلك الخاتم. ورأيت آثارًا بجسده ووجهه تدل على أنه مسموم. وحملت جنازته إلى جامع القصر، وخرج معه جمع لم نره لمخلوق قط، وكثر البكاء عليه لما كان يفعله من البر والعدل، ورثاه الشعراء.
قلت: وقد روي عن المقتفي تلك الأحاديث المقتفوية. سمعتها من الأبرقوهي، عن ابن الجواليقي، عنه.
وقد شرح صحيحي البخاري ومسلم في عدة مجلدات، وسماه كتاب الإفصاح عن معاني الصحاح. وألف كتاب العبادات في مذهب أحمد، وأرجوزة في المقصور والممدود، وأخرى في علم الخط، واختصر إصلاح المنطق لابن السكيت.