وذكر ابن الصابئ في كتاب الأماثل والأعيان عن إسحاق الموصلي، عن إبراهيم بن المهدي قال: خلا جعفر بن يحيى يوما بندمائه وأنا فيهم، فلبس الحرير، وتضمخ بالطيب، وفعل بنا مثله، فقدم إليه عبد الملك بن صالح بن علي، فدخل في رصافيته وسواده، فاربد وجه جعفر، فدعا غلامه فناوله سواده وقلنسوته، وأتى مجلسنا، وقال: أشركونا معكم، فألبسوه حريرا، وأحضر له طعام وشراب، فقال لجعفر: والله ما شربته قبل اليوم، فليخفف علي، ثم ضمخ بالخلوق، فنادمنا أحسن منادمة، وسري عن جعفر، فلما أراد الانصراف قال له: اذكر حوائجك فإنني ما أستطيع مقابلة ما كان منك، قال: في قلب أمير المؤمنين علي موجدة فتخرجها؟ قال: قد رضي عنك أمير المؤمنين، قال: وعلي أربعة آلاف ألف درهم دينا، قال: قضي دينك، قال: وإبراهيم ابني أحب أن أزوجه، قال: قد زوجه أمير المؤمنين بالعالية بنته، قال: وأوثر أن يولى بلدا، قال: قد ولاه أمير المؤمنين إمرة مصر، فخرج ونحن متعجبون من إقدام جعفر على هذه الأمور العظيمة من غير استئذان، وركب من الغد إلى الرشيد فدخل ووقفنا، فما كان بأسرع من أن دعي بالقاضي أبي يوسف، وبمحمد بن الحسن، وإبراهيم بن عبد الملك بن صالح، ثم خرج إبراهيم، وعليه الخلع، واللواء بين يديه، وقد زوج بالعالية، وزفت إليه، وحملت الأموال إلى دار عبد الملك، وخرج جعفر فقال لنا: وقفت بين يدي أمير المؤمنين، وعرفته بأمر عبد الملك كله، وهو يقول: أحسن أحسن، ثم قال: فما صنعت معه؟ فعرفته ما كان من قولي، فاستصوبه، وأمضاه.
قال إبراهيم بن المهدي: فوالله ما أدري أيهم أعجب فعلا: عبد الملك في شربه النبيذ ولباسه ما ليس من لبسه، وكان صاحب جد ووقار، أو إقدام جعفر بما أقدم به، أو إمضاء الرشيد لما حكم جعفر به؟!
قال القاضي ابن خلكان البرمكي: قد بلغ جعفر من علو المرتبة ما لم يبلغه أحد، حتى إن الرشيد اتخذ ثوبا له زيقان، فكان يلبسه هو وجعفر معا، ولم يكن له عنه صبر، وكان الرشيد شديد المحبة لأخته عباسة، وهي أعز النساء عليه، فكان متى غاب أحد منهما لا يتم سرور الرشيد فقال: إني لا صبر