فيها نفذ الخليفة عسكرًا، فما أخذوا تكريت بعد حصار ومجانيق وتعب، وقُتل من الفريقين عدة، ثم رأى الخليفة أن أخذها يطول، فرجع بعد أن نازلها مدة أيام، ثم بعد شهر عرض جيشه، فكانوا ستة آلاف، فجهزهم لحصارها مع الوزير ابن هُبيرة، وأنفق في الجيش نحو ثلاث مائة ألف دينار، سوى الإقامة، فإنها كانت تزيد على ألف كرّ، فوصل الخبر بأن مسعود بلال جاء في عسكر عظيم إلى شهرابان، ونهبوا الناس، وطلب ابن هبيرة للخروج إليهم.
وكان مسعود بلال وألبقش قد اجتمعا بالسلطان محمد، وحثّاه على قصد العراق، فلم يتهيأ له، فاستأذناه في التقدّم أمامه، فأذن لهما، فجمعا خلقًا من التركمان، ونزلا في طريق خراسان، فخرج الخليفة إليهما، فتنازلوا ثمانية عشر يومًا، وتحصّن التركمان بالخركاوات والمواشي، ثم كانت الوقعة في سلخ رجب، فانهزمت ميسرة الخليفة وبعض القلب، كسرهم مسعود الخادم وتُرشك، وثبت الخليفة، وضربوا على خزانته، وقتلوا خازنه يحيى بن يوسف الجزَري، فجاء منكورس، وأمير آخر، فقبّلا الأرض، وقالا: يا مولانا، ثبت علينا ساعة حتى نحمل، فقال: لا والله إلا معكما، ورفع الطرحة، وجذب السيف، ولبس الحديد هو وولّى العهد وكبرا، وصاح الخليفة: ياآلَ مُضر، كذب الشيطان وفرّ، وردّ الله الذين كفروا بغيظهم الآية، فحمل العسكر بجملته، ووقع القتال، حتى سُمع وقع السيوف كوقع المطارق على السنادين، وانهزم القوم وسُبي التركمان، وأخذت مواشيهم وخيلهم، فقيل: كانت الغنم أربعمائة ألف رأس، فبيعت كل ثمانين بدانق، ثم نودي بردّ من سُبي من أولادهم، وأخذ ألبقش أرسلان شاه بن طُغرل، وهرب به إلى بلده، وانهزم تُرشك، ومسعود الخادم إلى القلعة، ثم أغارا بعد أيام على واسط، ونهبوا ما يختص بالوزير ابن هبيرة فندبه الخليفة إلى القتال، فخرج بالعسكر، فانهزم العدو، فأدركهم، ونهب منهم، وعاد منصورًا، فخلع عليه الخليفة، ولقّبه: سلطان العراق، ملك الجيوش، وعرض الجيش في أبهة كاملة.
ولما كان يوم الفطر، جاء مطر، ورعدٌ، وبرق، وزُلزلت بغداد من شدة الرعد، ووقعت صواعق، منها صاعقة في التاج المسترشدي.