محقّقا، حسن الخلق، صحيح المذهب، اختلفت إليه وعلّقت عنه الفقه سنين.
من المرآة: قيل إنّ أبا الطّيّب دفع خفَّه إلى من يصلحه، فكان يأتي يتقاضاه، فإذا رآه غمس الخفّ في الماء وقال: السّاعة أصلحه فلمّا طال على أبي الطّيّب ذلك قال: إنّما دفعته إليك لتصلحه، لم أدفعه لتعلِّمه السِّباحة.
قال الخطيب: سمعت أبا بكر محمد بن أحمد المؤدِّب يقول: سمعت أبا محمد البافي يقول، أبو الطّيّب الطَّبريّ أفقه من أبي حامد الإسفراييني، وسمعت أبا حامد يقول، أبو الطّيّب أفقه من أبي محمد البافي.
وقال القاضي أبو بكر بن بكران الشّاميّ: قلت للقاضي أبي الطّيِّب شيخنا، وقد عمِّر: لقد متّعت بجوارحك أيّها الشّيخ. فقال: ولم لا، وما عصيت الله بواحدة منها قطّ؟ أو كما قال.
وقال غير واحد: سمعنا أبا الطّيِّب الطَّبريّ يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النّوم فقلت: يا رسول الله أرأيت من روى عنك أنّك قلت: نضّر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها. . . الحديث. أحقٌّ هو؟ قال: نعم.
وقال أبو إسحاق في الطّبقات: ومنهم شيخنا وأستاذنا أبو الطّيب، توفيّ عن مائة وسنتين، لم يختلّ عقله، ولا تغيّر فهمه، يفتي مع الفقهاء، ويستدرك عليهم الخطأ، ويقضي ويشهد، ويحضر المواكب إلى أن مات. تفقَّه بآمل على أبي عليّ الزَّجّاجيّ صاحب ابن القاصّ، وقرأ على أبي سعد الإسماعيليّ، وعلى القاضي أبي القاسم بن كجّ بجرجان. ثمّ ارتحل إلى نيسابور وأدرك أبا الحسن الماسرجسيّ، وصحبه أربع سنين، ثمّ ارتحل إلى بغداد، وعلّق عن أبي محمد البافي الخوارزميّ صاحب الدّاركيّ، وحضر مجلس الشّيخ أبي حامد، ولم أر فيمن رأيت أكمل اجتهادا، وأشدّ تحقيقا، وأجود نظرا منه. شرح المزنيّ، وصنَّف في الخلاف والمذهب والأصول والجدل كتبا كثيرة، ليس لأحد مثلها، ولازمت مجلسه بضع عشرة سنة، ودرّست أصحابه في مسجده سنين بإذنه، ورتَّبني في حلقته، وسألني أن أجلس