للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسلمون بذلك كلِّه، فسُقِط في أيدي الفرنج، وأحاطت بهم عساكر المسلمين، واشتد عليهم الأمر، فأحرقوا خيامهم ومجانيقهم وأثقالهم، وأرادوا الزحف إلى المسلمين فعجزوا وذلوا فراسلوا الكامل يطلبون الأمان ليسلموا دمياط بلا عوض، فبينما المراسلات مترددة، إذ أقبلَ جمعٌ كبير لهم رهجٌ شديدٌ وجلبة عظيمةٌ من جهة دمياط، فظنه المسلمون نجدة للفرنج، فإذا به الملك المُعظم، فخُذل الفرنج، لعنهم الله، وسَلَّموا دمياط، واستقرّت القاعدة في سابع رجب سنة ثمان عشرة، وتسلمها المسلمون بعد يومين، وكان يوماً مشهوداً فدخلها العسكر، فرأوها حصينة قد بالغ الفرنج في تحصينها بحيثُ بقيت لا تُرام، فلله الحمد على ما أنعمَ به. وهذا كله ساقه ابن الأثير، رحمه الله، متتابعاً في سنة أربع عشرة.

وقال غيره، وهو سعد الدين مسعود بن حمويه فيما أنبأنا: لمّا تقرر الصلح جلس السلطان في خيمته، وحضر عنده الملوك، فكان على يمين السلطان صاحبُ حمص الملك المُجاهد، ودونه الملك الأشرف شاه أرمن، ودونه الملك المعظم عيسى، ودونه صاحب حماة، ودونه الحافظ صاحب جعبر، ومُقدم نجدة حلب، ومُقدم نجدة الموصل، ومُقدم نجدة ماردين، ومقدّم نجدة إربل، ومقدم نجدة ميافارقين، وكان على يساره نائب البابا، وصاحب عكا، وصاحب قبرص، وصاحب طرابلس، وصاحب صيدا، وعشرون من الكنود لهم قلاع في المغرب، ومقدم الداوية، ومُقدم الإسبتار. وكان يوماً مشهوداً، فرسم السلطان بمبايعتهم، وكان يحمل إليهم في كل يوم خمسين ألف رغيف، ومائتي إردب شعير، وكانوا يبيعون عددهم بالخبز ممّا نالهم من الجُوع. فلمّا سَلَّموا دمياط أطلق السلطانُ رهائنهم، وبقي صاحبُ عكا حتى يطلقوا رهائن السلطان فأبطؤوا، فركب السلطان ومعه صاحب عكا وكان خلقة هائلة فأخرج السلطان من صدر قبائه صليب الصلبوت، الذي كان صلاح الدين أخذه من خزائن خلفاء مصر فلما رآه صاحب عكا رمى بنفسه إلى الأرض، وشكر السلطان، وقال: هذا عندنا أعظم من دمياط. وقال له

<<  <  ج: ص:  >  >>