للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأطراف. آخر ما جرى من ذلك بعد وفاته أن ملك الروم كيقباذ خطب إلى الملك الكامل أخته، واحتفل احتفالاً شديداً، واجتمع في العرس ملوك وملكات.

وكان العادل قد أوقع الله بغضته في قلوب رعاياه، والمخامرة عليه في قلوب جنده، وعملوا في قتله أصنافاً من الحيل الدقيقة مرات كثيرة. وعندما يقال: إن الحيلة قد تمت، تنفسخ، وتنكشف، وتحسم موادها. ولولا أولاده يتولون بلاده لما ثبت ملكه بخلاف أخيه صلاح الدين فإنه إنما حفظ ملكه بالمحبة له، وحسن الطاعة، ولم يكن - رحمه الله - بالمنزلة المكروهة؛ وإنما كان الناس قد ألفوا دولة صلاح الدين وأولاده. فتغيرت عليهم العادة دفعة واحدة، ثم إن وزيره ابن شكر بالغ في الظلم وتفنن.

ومن نياته الجميلة أنه كان يعرف حق الصحبة، ولا يتغير على أصحابه، ولا يضجر منهم، وهم عنده في حظوة. وكان يواظب على خدمة أخيه صلاح الدين؛ يكون أول داخل وآخر خارج؛ وبهذا جلبه، فكان يشاوره في أمور الدولة لما جرب من نفوذ رأيه.

ولما تسلطن الأفضل بدمشق، والعزيز بمصر، قصد العزيز دمشق، وذاق جنده عليها شدائد، فرحل عنها، ثم حاصرها نوبة ثانية ومعه عمه العادل فأخذها، وعوض الأفضل بصرخد، ولم يزل العادل يفتل في الذروة والسنام، حتى أقطعه العزيز دمشق وهي السبب في أن تملَّك البلاد كلها. وأعطى ابن أبي الحجاج - يعني كاتب الجيش - لما جاءه بمنشورها ألف دينار. ثم أخذ يدقق الحيلة حتى يستنيبه العزيز على مصر، ويقيم هو بدمشق يتمتع في بساتينها بعض أصحابه فرمى قلنسوته بين يديه، وقال: ألم يكفك أنك أعطيته دمشق، حتى تعطيه مصر؟ فنهض العزيز لوقته على غرّة ولحق بمصر. ثم شغب الجند، وجرت أمور إلى أن اجتمع الأفضل والعادل، وقصدا مصر، وخامر جميع الأجناد على الملك العزيز، وصاروا إلى الأفضل والعادل، حتى خلت مصر والقاهرة منهم، وتهدمت دولة العزيز، ثم أصبحت، وقد عادت أحسن مما كانت، وصار معه كل من كان عليه، ورجع الملك العادل في خدمته، وردَّ الأفضل إلى الشام.

<<  <  ج: ص:  >  >>