عن ثلاثين سنة، وأقيم مكانه أخوه أبو الحسن عليّ، فأخذت الروم في أيامه حلب وطرسوس والمصيصة وذلك الصقع. ومات علي في أول سنة خمس وخمسين عن إحدى وثلاثين، فاستقل كافور بالأمر، فأشاروا عليه بإقامة الدعوة لولد لعليّ المذكور، فاحتجّ بصغره، وركب في الدست بخلع أظهر أنها جاءته من الخليفة وتقليد، وذلك في صفر سنة خمس وخمسين، وتم له الأمر.
وكان وزيره أبا الفضل جعفر بن الفرات، وكان راغباً في الخير وأهله. ولم يبلغ أحد من الخدام ما بلغ كافور، وكان ذكياً له نظر في العربية والأدب والعلم. وممن كان في خدمته أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله النجيرمي النحوي صاحب الزجاج، فدخل يوماً على كافور أبو الفضل بن عياش، فقال: أدام الله أيام سيدنا - بخفض أيام - فتبسم كافور ونظر إلى النجيرمي فوثب النجريمي وقال ارتجالاً: ومثل سيدنا حالت مهابته بين البليغ وبين القول بالحصر فإن يكن خفض الأيام من دهش وشدة الخوف لا من قلة البصر فقد تفاءلت في هذا لسيدنا والفأل نأثره عن سيد البشر بأن أيامه خفض بلا نصب وأن دولته صفو بلا كدر فأمر له بثلاثمائة دينار.
وكان كافور يدني الشعراء ويجيزهم، وكان يقرأ عنده كل ليلة السير وأخبار الدولة الأموية والعباسية، وله ندماء. وكان عظيم الحمية يمتنع من الأمراق، وعنده جوار مغنيات، وله من الغلمان الروم والسود ما يتجاوز الوصف. زاد ملكه على ملك مولاه الإخشيذ، وكان كريماً كثير الخلع والهبات، خبيراً بالسياسة، فطناً، ذكيّا، جيد العقل، داهية، كان يهادي المعز صاحب المغرب ويظهر ميله إليه، وكذا يذعن بطاعة بني العباس ويداري ويخدع هؤلاء وهؤلاء.
ولما فارق المتنبي سيف الدولة مغاضباً له سار إلى كافور، وقال:
قواصد كافور توارك غيره ومن قصد البحر استقل السواقيا