قلت: وبالغ القفطيّ في الحطّ عليه، ويظهر على كلامه فيه الهوى، حتّى قال: ومن أسوأ أوصافه قلة الغيرة.
وقال الدّبيثيّ: غلب عليه علم الطبّ والأدب وبرع فيهما.
وقال ابن نقطة: كان حسن الخلق، جميل الأمر، عالماً بالنّحو والغريبين، وله يدٌ في الطّبّ. سمع سنن ابن ماجه، ومسند الشافعيّ من أبي زرعة. وسمع صحيح الإسماعيلي جميعه، والمدخل إليه من يحيى بن ثابت بسماعه من أبيه. وسمع الكثير من ابن البطّي، وأبي بكر بن النّقور، وانتقل إلى الشام ومصر. وكان يتنقّل من دمشق إلى حلب. ومرّة سكن بأرزنكان وغيرها.
وقال الموفّق: سمعت الكثير، وكنت في أثناء ذلك أتعلّم الخطّ، وأتحفّظ القرآن، والفصيح والمقامات وديوان المتنبيّ، ومختصراً في الفقه، ومختصراً في النحو. فلمّا ترعرعت حملني والدي إلى كمال الدّين عبد الرحمن الأنباريّ وكان يومئذٍ شيخ بغداد، وله بوالدي صحبةٌ قديمة أيام التّفقّه بالنّظامية، فقرأت عليه خطبة الفصيح، فهذّ كلاماً كثيراً لم أفهمه، لكنّ التلاميذ حوله يعجبون منه. ثمّ قال: أنا أجفو عن تعليم الصّبيان احمله إلى تلميذي الوجيه الواسطيّ يقرأ عليه، فإذا توسّطت حاله قرأ عليّ. وكان الوجيه عند بعض أولاد رئيس الرؤساء، وكان رجلاً أعمى من أهل الثّروة والمروءة، فأخذني بكلتا يديه، وجعل يعلّمني من أوّل النّهار إلى آخره بوجوهٍ كثيرة من التّلطّف. وكنت أحفّظه من كتبه، وأحفظ معه، وأحضر معه حلقة كمال الدّين إلى أن صرت أسبقه في الحفظ والفهم، وأصرف أكثر اللّيل في التّكرار، وأقمنا على ذلك برهة. وحفظت اللّمع في ثمانية أشهر، وكنت أطالع شرح الثّمانينيّ، وشرح الشريف عمر بن حمزة، وشرح ابن برهان، وأشرح لتلامذة يختصّون بي إلى أن صرت أتكلّم على كلّ باب كراريس، ولا ينفد ما عندي. ثمّ حفظت أدب الكاتب لابن قتيبة حفظاً متقناً، ثمّ حفظت مشكل القرآن له، وغريب القرآن له، وكلّ ذلك في مدّةٍ يسيرة. ثمّ انتقلت إلى