فلما كان في سنة خمس وثلاثمائة سلم سعيد الأمر إلى أخيه أبي طاهر، فاستجاب لأبي طاهر خلق وافتتنوا به، بسبب أنه دلهم على كنوز كان والده أطلعه عليها وحده، فوقع لهم أنه علم غيب، وتخير موضعاً من الصحراء وقال: أريد أن أحفر ههنا عيناً. فقيل له: هنا لا ينبع ماء. فخالفهم وحفر فنبع الماء فازدادت فتنتهم به. ثم استباح البصرة، وأخذ الحجيج، وفعل العظائم، وأرعب الخلائق وكثرت جموعه، وتزلزل له الخليفة.
وزعم بعض أصحابه أنه إله، ومنهم من زعم أنه المسيح، ومنهم من قال هو نبي. وقيل: هو المهدي، وقيل: هو الممهد للمهدي.
وقد هزم جيش الخليفة المقتدي غير مرة، ثم إنه قصد بغداد ليأخذها فدفع الله شره.
وقد قتل بحرم الله - تعالى - مقتلة عظيمة لم يتم مثلها قط في الحرم. وأخذ الحجر الأسود. ثم لم يُمهله الله بعد ذلك. فلما أشفى على التلف سلم ملكه إلى أبي الفضل بن زكريا المجوسي العجمي.
قال محمد بن علي بن رزام الكوفي: قال لي ابن حمدان الطبيب: أقمت بالقطيف أعالج مريضاً فقال لي رجل: انظر ما يقول الناس. يقولون: إن ربهم قد ظهر. فخرجت، فإذا الناس يهرعون، إلى أن أتينا دار أبي طاهر سليمان القرمطي، فإذا بغلامٍ حسن الوجه، دري اللون، خفيف العارضين، له نحو عشرين سنة، وعليه عمامة صفراء تعميم العجم، وعليه ثوب أصفر، وفي وسطه منديل وهو راكب فرساً شهباًء، والناس قيام، وأبو طاهر القرمطي وإخوته حوله. فصاح أبو طاهر بأعلى صوته: يا معشر الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أبو طاهر سليمان بن الحسن. اعلموا أنا كنا وإياكم حميرا، وقد من الله علينا بهذا، وأشار إلى الغلام؛ هذا ربي وربكم، وإلهي وإلهكم، وكلنا عباده والأمر إليه، وهو يملكنا كلنا. ثم أخذ هو والجماعة التراب، ووضعوه على رؤوسهم؛ ثم قال أبو طاهر: اعلموا يا معشر الناس، إن الدين قد ظهر، وهو دين أبينا آدم، وكل دين كنا عليه فهو باطل. وجميع ما توصلت به الدعاة إليكم فهو باطل وزور من ذكر موسى، وعيسى، ومحمد.