الشواهق، فأهم السلطان شأنهم، وصمم على تدويخ ديارهم وانتزاع بعرة الاستطالة من رؤوسهم، فاجلب عليهم بخيله ورجله، وقدم أمامه والي هراة ألتونتاش، ووالي طوس أرسلان، فسارا مقتحمين مضايق تلك المسالك، إلى مضيق قد غص بالكماة، فتناوشوا الحرب تناوشا بطلت فيه العوامل إلا الصوارم في الجماجم والخناجر في الحناجر، وتصابر الفريقان، حتى سالت نفوس، وطارت رؤوس، فلحقهم السلطان في خواص أبطاله، وجعل يلجئهم إلى ما وراءهم شيئا فشيئا، إلى أن فرقهم في عطفات الجبال، واستفتح المجال إلى عظيم الكفرة المعروف بابن سورى، فغزاه في عقر داره، وأحاط ببلده، وتقيد عليه، فبرز الرجل في عشرة آلاف كأنما خلقوا من حديد، وكأن أكبادهم الجلاميد، يستأنسون بأهل الوقائع استئناس الظمأ بماء الشرائع، ودام القتال إلى نصف النهار، فأمر السلطان بتوليتهم الظهور استدراجا، فاغتروا وانقضوا عن مواقفهم، واغتنموا الفرصة، فكرت عليهم الخيول بضربات غنيت بذواتها عن أدواتها، فلم ترتفع منها واحدة إلا عن دماغ منثور، ونياط مبتور، وصرع في المعركة رجال كهشيم المحتضر، أو أعجاز نخل منقعر، وأسر ابن سورى وسائر حاشيته، وأفاء الله على السلطان ما اشتمل عليه حصنه من ذخائره التي اقتناها كابرا عن كابر، وورثها كافرا عن كافر، وأمر السلطان بإقامة شعار الإسلام فيما افتتحه من تلك القلاع، فأصفحت بالدين المنابر، واشترك في عز دعوته البادي والحاضر، ولعظم ما ورد على ابن سورى، مص فص خاتم مسموم، فأتلف نفسه، وخسر الدنيا والآخرة.
وأما الأندلس فتم فيها فتن هائلة، وانقضت أيام الأمويين، وتفرقت الكلمة.
وفي ربيع الأول دخل البربر والنصارى قرطبة، فقتلوا من أهلها أزيد من ثلاثين ألفا، وتملكها سليمان الأموي المستعين، واستقر بها سبعة أشهر، ثم بلغه أن المهدي الأموي، وهو ابن عمه، قد استنجد بالنصارى لأخذ الثأر منه، فتأهب، ثم وقع بينهم مصاف، فانهزم البربر والمستعين، وذلك في رابع شوال، ودخل المهدي قرطبة بدولته الثانية، فصادرهم، وفعل الأفاعيل، وخرج يتتبع البربر، فكروا عليه فهزموه، واستبيح عسكره، وقتل نحو العشرين ألفا من أهل قرطبة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.