للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بغداد وشرطتها في سنة إحدى عشرة وخمسمائة، ثم نقله إلى الموصل، وسلّم إليه ولده فرّوخ شاه الملقب بالخفاجي ليربّيه، ولهذا قيل له أتابك، وذلك في سنة اثنتين وعشرين، واستولى على البلاد، وقوي أمره، وافتتح الرُّها في سنة تسع وثلاثين، وترقّت به الحال إلى أن ملك الموصل، وحلب، وحماه، وحمص، وبعلبك، ومدائن كثيرة يطول تعدادها، وسار بجيشه إلى دمشق وحاصرها، ثم استقر الحال على أن خُطب له بدمشق، واسترجع عدة حصون من الفرنج، مثل كَفرْطاب والمعرة والرها.

وكان بطلًا، شجاعًا، صارمًا، وقد نازل قلعة جعبر، وصاحبها يومئذ علي بن مالك، فحاصرها، وأشرف على أخذها، فأصبح يوم الأربعاء خامس ربيع الآخر مقتولًا، قتله خادمه غيلة وهو نائم، ودُفن بصفّين عند الرقة، وسار ولده الملك نور الدين محمود، فاستولى على حلب، واستولى ولده الآخر سيف الدين غازي أخو قُطب الدين مودود الأعرج على الموصل.

قال ابن الأثير: نزل أتابك زنكي على حصن جعبر المُطل على الفرات، وقاتله من بها، فلما طال أرسل إلى صاحبها ابن مالك العُقيلي رسالة مع الأمير حسان المنبجي، لمودة بينهما في معنى تسليمها، ويبذل له الإقطاع والمال، ويتهدده إن لم يفعل، فما أجاب، فقتل أتابك بعد أيام، وثب عليه جماعة من مماليكه في الليل، وهربوا إلى القلعة، فدخلوها، فصاح أهلها وفرحوا بقتله، فدخل أصحابه إليه، حدّثني أبي، عن بعض خواصه قال: دخلت إليه في الحال وهو حي، فظن أني أريد قتله، فأشار إلي بإصبعه يستعطفني، فقلت: يا مولانا مَن فعل هذا؟ فلم يقدر على الكلام، وفاضت نفسه.

قال: وكان حسن الصورة، أسمر، مليح العينين، قد وخطه الشيب، وزاد عمره على الستين، وكان صغيرًا لما قُتل أبوه، وكان شديد الهيبة على عسكره ورعيته، وكانت البلاد خرابًا من الظلم ومجاورة الفرنج، فعمّرها.

حكى لي والدي قال: رأيت الموصل وأكثرها خراب، بحيث يقف الإنسان قريب محلة الطبالين، ويرى الجامع العتيق، ودار السلطان، ولا يقدر

<<  <  ج: ص:  >  >>