فيها عود الخليفة القائم بأمر الله إلى دار الخلافة، وقتلة البساسيريّ، وذلك أنّ السُّلطان طغرلبك رجع إلى العراق، فهرب آل البساسيريّ وحشمه، وانهزم أهل الكرخ بأهاليهم على الصَّعب والذَّلول. ونهبت بنو شيبان النّاس وقتل طائفة. وكانت مدّة أيّام البساسيريّ سنةً كاملة. فثار أهل باب البصرة فنهبوا الكرخ، وأحرقوا درب الزَّعفرانيّ، وكان من أحسن الدُّروب.
وبعث طغرلبك الإمام أبا بكر أحمد بن محمد بن أيّوب بن فورك إلى قريش ليبعث معه أمير المؤمنين، ويشكره على ما فعل. وكان رأيه أن يأخذ الخليفة ويدخل به البرّيّة، فلم يوافقه مهارش، بل سار بالخليفة. فلمّا سمع طغرلبك بوصول الخليفة إلى بلاد بدر بن مهلهل أرسل وزيره عميد الملك الكندريّ والأمراء والحجَّاب بالسُّرادقات العظيمة والأهبة التّامّة، فوصلوا وخدموا الخليفة، فوصل النَّهروان في الرابع والعشرين من ذي القعدة.
وبرز السّلطان إلى خدمته، وقبَّل الأرض، وهنّأه بالسّلامة، واعتذر من تأخّره بعصيان أخيه إبراهيم ينال، وأنه قتله عقوبة لما جرى منه من الوهن على الدولة العبّاسية وقال: أنا أمضي خلف هذا الكلب، يعني البساسيري، إلى الشام. وأفعل في حقّ صاحب مصر ما أجازى به. فقلّده الخليفة بيده سيفاً وقال: لم يبق مع أمير المؤمنين من داره سواه، وقد تبرك به أمير المؤمنين، وكشف غشاء الخركاه حتّى رآه الأمراء فخدموه. ودخل بغداد، وكان يوماً مشهوداً. ولكن كان النّاس مشغولين بالغلاء والقحط المفرط.