بهلوان بن إلدكز صاحب أذربيجان وعراق العجم قد قرب من خلاط قاصدا محاصرتها، فبعث إليه يعرفه بأنه إن لم يرجع عنه وإلا سلم البلد إلى صلاح الدين، فصالحه، فنزل صلاح الدين على ميافارقين، فقاتلها قتالا شديدا، ثم أخذها صلحا بالخديعة، وكان صاحبها قطب الدين إيلغازي بن ألبي الأرتقي، فمات وخلف ولده حسام الدين بولق أرسلان وهو صبي، فطمع صلاح الدين وتسلمها بمعاملة من واليها، وأما بكتمر فقويت نفسه بمصاهرته لصاحب أذربيجان.
وعاد صلاح الدين فنازل الموصل ثالثًا، فمرض في الحر مرضًا أشفى منه على الموت، فترحل إلى حران، فسير صاحب الموصل عز الدين رسولًا، وهو القاضي بهاء الدين يوسف بن شداد إلى صلاح الدين في الصلح، فأجاب وحلف له وقد تماثل من مرضه، ووفى له إلى أن مات. فلم تطل مدة عز الدين بعد صلاح الدين، وعاش أشهرًا.
وتوفي في شعبان في التاسع والعشرين منه.
قال ابن الأثير: وكان قد بقي ما يزيد على عشرة أيام لا يتكلم إلا بالشهادتين وتلاوة القرآن، وإذا تكلم بغيرها استغفر الله، ثم عاد إلى التلاوة، فرُزق خاتمة خير.
وكان خير الطبع، كثير الخير والإحسان، يزور الصالحين ويقربهم ويشفعهم. وكان حليمًا حييا، لم يكلم جليسه إلا وهو مُطرق. وكان قد حج، ولبس بمكة خرقة التصوف. فكان يلبس تلك الخرقة كل ليلة، ويخرج إلى مسجد داره، فيصلي فيه إلى نحو ثلث الليل. وكان رقيق القلب، شفوقًا على الرعية.
قلت: ودُفن في مدرسته بالموصل، وهي مدرسة كبيرة على الشافعية والحنفية، وتسلطن بعده ولده نور الدين إلى أن مات عن ولدين وهما: القاهر عز الدين مسعود، والمنصور عماد الدين زنكي.
وقسم البلاد بينهما، فأعطى القاهر الموصل، وأعطى المنصور قلاعًا.
وقد توفي القاهر صاحب الموصل فجاءةً في سنة خمس عشرة وستمائة، ودُفن بمدرسته.
وأما زنكي فانتقل إلى إربل، وتزوج بابنة صاحبها مظفر الدين، وكان من