من الغد وقع جيش الخوارزميّ على عسكر الروم ونحن نرى الغبرة، فأباد فيهم قتلاً وأسراً. وقد كثر القول بأنّهم قتلوا من عسكر الروم سبعة آلاف من خيارهم، وقيل: أكثر وأقلّ.
وقال لي رجل من أهل أرزنجان: إنّ جميع الروم كان بها، وعدّتهم اثنا عشر ألفاً، فلم يخلص منهم إلاّ جريحٌ، أو هارب توقّل الجبل، وإنّ صاحب الرّوم بقي في ضعفة من أصحابه نحو خمسة آلاف، وأصبحنا يوم الخميس على تعبئة، ووقعت مناوشات. فكان أصحابنا أبداً يربحون عليهم، وعرفنا قتالهم، ونشّابهم، وضعف خيلهم، وقلّة فروسيتهم، فتبدّل خوفنا منهم بالطّمع، واحتقرناهم، وتعجّبنا كيف غلب هؤلاء أمماً كثيرين؟ وبتنا ليلة الجمعة على تعبئة، وكان الرجل قد عزم على الهرب، ففرّ إليه مملوكان، فشجّعاه، فثبت لشقاوته. وأصبح النّاس، ففرّ من عنده اثنان إلى الملك الأشرف؛ فسألهما عن عدّة أصحابهم، قالا: هم ثلاثون ألفاً. وبقي الأشرف يجول بين الصّفوف، ويشجع النّاس، ويحقر العدوّ. وأصبح النّاس يوم السّبت على تعبئةٍ تامّةٍ، فسأل الأشرف المملوكين عن موضع الخوارزميّ، قالا: هو على ذلك التّلّ، وشعره في كيس أطلس، وعلى رأس كتفه برجمٌ صغير مخيّط بقبائه، فحمل طائفة من الخوارزميّة على عسكر الرّوم؛ فثبتوا، فتقدّم الأشرف إلى سابق الدّين ومعه من عسكر مصر ألف وخمسمائة فارس، وإلى عسكر حمص وحلب وحماة، فانتقى ألف فارس، وندب بعض أمراء العرب في ألف فارسٍ من العرب، فحملوا على التّلّ الّذي عليه الخوارزميّ، فلمّا عاين الموت الأحمر مقبلاً، انهزم، فلمّا رأى جيشه فراره انهزموا. وأمّا الّذين حملوا على عسكر الرّوم، فبقوا في الوسط، فلم يفلت منهم أحد. ثمّ إنّ الخوارزميّين لشدّة رعبهم لم يقدروا على الهرب، ولم يهتدوا سبيلاً، وأكثرهم نزلوا عن خيولهم، وانجحروا في بطون الأودية والبيوت الخربة، فتحكّم فيهم الفلاّحون والغلمان، وقتلهم أضعف النّاس. وانحرف منهم ثلاثة آلاف على بلاد جانيت، فخرج إليهم فلاّحو الرّوم والنّصارى فقتلوهم عن آخرهم. وفلّق