إلى أن قال: وما رأينا قط من عبد الله في حقه تعالى في آية أنزلها أو إخبار عنه أوصله إلينا فيما يرجع إليه إلا بالتحديد، تنزيهًا كان أو غير تنزيه، أوله العماء الذي ما فوقه هواء وما تحته هواء فكان الحق فيه قبل أن يخلق الخلق. ثم ذكر أنه استوى على العرش فهذا أيضًا تحديد، ثم ذكر أنه ينزل إلى السماء الدنيا فهذا تحديد، ثم ذكر أنه في السماء وأنه في الأرض وأنه معنا أينما كنا إلى أن أخبرنا أنه عيننا ونحن محدودون فما وصف نفسه إلا بالحد. وقوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ حدٌ أيضًا إن أخذنا الكاف زائدةً لغير الصفة، وإن جعلنا الكاف للصفة قد حددناه. وإن أخذنا لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ على نفي المثل تحققنا بالمفهوم، وبالخبر الصحيح أنه عين الأشياء، والأشياء محدودة، وإن اختلفت حدودها، فهو محدود بحد كل محدود، فما تحد شيئًا إلا وهو حدٌ للحق، فهو الساري في مسمى المخلوقات والمبدعات، ولو لم يكن الأمر كذلك ما صح الوجود، فهو عين الوجود. وذكر فصلًا من هذا النمط. تعالى الله عما يقول علوًا كبيرًا. أستغفر الله، وحاكي الكفر ليس بكافرٍ.
قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في ابن العربي هذا: شيخ سوءٍ، كذاب، يقول بقدم العالم ولا يحرم فرجًا. هكذا حدثني شيخنا ابن تيمية الحراني به عن جماعةٍ حدثوه عن شيخنا ابن دقيق العيد أنه سمع الشيخ عز الدين يقول ذلك. وحدثني بذلك المقاتلي، ونقلته من خط أبي الفتح ابن سيد الناس أنه سمعه من ابن دقيق العيد.
قلت: ولو رأى كلامه هذا لحكم بكفره، إلا أن يكون ابن العربي رجع عن هذا الكلام، وراجع دين الإسلام، فعليه من الله السلام.
وقد توفي في الثاني والعشرين من ربيع الآخر.
ولابن العربي توسع في الكلام، وذكاءٌ، وقوةٌ حافظةٌ، وتدقيقٌ في التصوف، وتواليف جمةٌ في العرفان. ولولا شطحاتٌ في كلامه وشعره لكان كلمة إجماع، ولعل ذلك وقع منه في حال سكره وغيبته، فنرجو له الخير.