واتصّل بي كتابان أوردتُهما بلفظهما، يقول في أحدهما: زلزلةٌ كادت لها الأرض تسير سيراً، والجبال تمُور موراً، وما ظنّ أحد من الخلق إلاّ أنها زلزلة السّاعة، وأتت في الموقت على دفعتين، فأما الدّفعة الأولى فاستمرت مقدار ساعةٍ أو تزيد عليها، وأما الثانية فكانت دونها، ولكن أشدّ منها، وتأثّر منها بعض القلاع، فأولها قلعة حماة، وفي الكتاب الآخر أنها دامت بمقدار ما قرأ سورة الكهف وأن بانياس سقط بعضها، وصَفَد لم يسلم بها إلا ولد صاحبها لا غير، ونابلس لم يبق بها جدار قائم سوى حارة السّمرة، وكذلك أكثر حوران، غارت ولم يُعرف لبلدٍ منها موضعٌ يقال فيه هذه القرية الفلانية.
قلت: هذا كذب وفجور من كاتب هذه المكاتبة أما استحى من الله تعالى؟
ثم قال فيه: ويقال: إن عرقة خُسف بها، وكذلك صافيتا.
قال الموفّق: وأخبرونا أن بالمقس تلاًّ عظيمًا عليه رممٌ كثيرة فأتيناه ورأيناه وحدسناه بعشرة آلاف فصاعدا، وهم على طبقات في قُرب العهد وبعده، فرأينا من شكل العظام ومفاصلها وكيفيّة اتصالها وتناسُبها وأوضاعها ما أفادنا علمًا لا نستفيده من الكتُب، ثم إنُنا دخلنا مصر، فرأينا فيها دروبًا وأسواقًا عظيمة كانت مغتصّة بالزّحام، والجميع خالٍ ليس فيه إلًا عابر سبيل، وخرجنا إلى سكرجة فرعون، فرأيت الأقطار كلُها مغتصّة بالجثث والرمَّم، وقد غلبت على الآكام بحيث جلَّلتها، ورأينا في هذه الأسكرجة وهي عظيمة، الجماجم بيضا وسودا ودكنا، وقد خفي أكثرها وتركها سائر العظام، حتى كأنها رؤوس لم تكن معها أبدان، أو كأنها بيدر بطيخ.
قال أبو شامة: وجاءت في شعبان سنة سبع زلزلة هائلة عمّت الدّنيا في ساعة واحدة، هدمت بنيان مصر، فمات تحت الهدم خلقٌ كثير، ثم امتدت إلى الشام، فهدمت مدينة نابلس، فلم يبق فيها جدار قائم إلا حارة السّمرة، ومات تحت الهدم ثلاثون ألفاً، وهُدمت عكّا وصور، وجميع قلاع الساحل.
قلت: هذا نقله الإمام أبو شامة من مرآة الزمان ومصنَّفه شمس