الزبير كان يواصل سبعة أيام، وهذا لك اليوم ثمانية أيام، قال: إني مطيق. قلت: بحقي عليك، قال: فإني أفعل، فأتيته بسويق فشرب؛ ووجه إليه المتوكل بمال عظيم فرده، فقال له عبيد الله بن يحيى: فإن أمير المؤمنين يأمرك أن تدفعها إلى ولدك وأهلك. قال: هم مستغنون فردها عليه. فأخذها عبيد الله فقسمها على ولده وأهله. ثم أجرى المتوكل على أهله وولده أربعة آلاف في كل شهر، فبعث إليه أبو عبد الله: إنهم في كفاية، وليست بهم حاجة. فبعث إليه المتوكل: إنما هذا لولدك، ما لك ولهذا؟ فأمسك أبو عبد الله. فلم يزل يجري علينا حتى مات المتوكل.
وجرى بين أبي عبد الله وبين أبي في ذلك كلام كثير، وقال: يا عم، ما بقي من أعمارنا؟ كأنك بالأمر قد نزل بنا، فالله الله فإن أولادنا إنما يريدون يتأكلون بنا، وإنما هي أيام قلائل، لو كشف للعبد عما قد حجب عنه لعرف ما هو عليه من خير أو شر، صبر قليل وثواب طويل، وإنما هذه فتنة. قال أبي: فقلت: أرجو أن يؤمنك الله مما تحذر. قال: فكيف وأنتم لا تتركون طعامهم ولا جوائزهم، لو تركتموها لتركوكم. وقال: ماذا ننتظر؟ إنما هو الموت، فإما إلى جنة وإما إلى نار؛ فطوبى لمن قدم على خير. قال أبي: فقلت له: أليس قد أمرت، ما جاءك من هذا المال من غير مسألة ولا إشراف نفس أن تأخذه؟ قال: قد أخذت مرة بلا إشراف نفس فالثانية والثالثة؛ فما بال نفسك ألم تستشرف؟ فقلت: ألم يأخذ ابن عمر وابن عباس؟ فقال: ما هذا وذاك؟ وقال: لو أعلم أن هذا المال يؤخذ من وجهه ولا يكون فيه ظلم ولا حيف لم أبال.
قال حنبل: فلما طالت علة أبي عبد الله كان المتوكل يبعث بابن ماسوية المتطبب فيصف له الأدوية، فلا يتعالج، ويدخل المتطبب على المتوكل فقال: يا أمير المؤمنين، أحمد ليست به علة في بدنه، إنما هو من قلة الطعام والصيام والعبادة. فسكت المتوكل. وبلغ أم المتوكل خبر أبي عبد الله، فقالت لابنها: أشتهي أن أرى هذا الرجل. فوجه المتوكل إلى أبي عبد الله يسأله أن يدخل على ابنه المعتز ويسلم عليه ويدعو له ويجعله في حجره. فامتنع أبو عبد الله من ذلك، ثم أجاب رجاء أن يطلق وينحدر إلى بغداد. فوجه إليه المتوكل خلعة، وأتوه بدابة يركبها إلى المعتز، فامتنع، وكانت عليها ميثرة نمور. فقدم إليه بغل لرجل من التجار فركبه، وجلس المتوكل مع أمه في مجلس من المكان، وعلى المجلس ستر رقيق، فدخل أبو عبد الله على المعتز، ونظر إليه المتوكل وأمه،