ونهبهم، وحصل له في نفوس أتباعه من التصديق والبركة ما لا يحوزه الوصف.
وقال القاضي شمس الدين: طالت المدة على ابن تومرت، فشرع في حيلة، وذلك أنه رأى أولاد المصامدة شقرًا زرقًا، ولون الآباء سمر، فسألهم عن ذلك، فلم يجيبوه، ثم ألح عليهم فقالوا: نحن من رعية أمير المسلمين علي، وله علينا خراج، وفي كل سنة تصعد مماليكه إلينا، وينزلون في بيوتنا، ويخرجونا عنها، ويخلون بنسائنا وما لنا قدرة على دفع ذلك، فقال ابن تومرت: والله، الموت خيرٌ من هذه الحياة، كيف رضيتم بهذا، وأنتم أضرب خلق الله بالسيف وأطعنهم بالرمح؟ قالوا: بالرغم منا، قال: أرأيتم لو أن ناصرًا نصركم على هؤلاء، ما كنتم تصنعون؟ قالوا: كنا نقدم أنفسنا بين يديه للموت، فمن هو؟ قال: ضيفكم، فقالوا: السمع والطاعة، فبايعهم، ثم قال: استعدوا لحضور هؤلاء بالسلاح، فإذا جاؤوكم فأجروهم على عادتهم، ثم ميلوا عليهم بالخمور، فإذا سكروا فآذنوني بهم، فلما جاءوهم ففعلوا ذلك بهم وأعلموه، فأمر بقتلهم، فلم تمض ساعة من الليل حتى أتوا على آخرهم، وأفلت منهم واحد، فلحق بمراكش، فأخبر الملك، فندم على فوات محمد من يده حيث لا ينفعه الندم، وجهز جيشًا، وعرف ابن تومرت أنه لابد من عسكرٍ يفجؤهم، فأمر أهل الجبل بالقعود على أنقاب الوادي، فلما وصلت إليهم الخيل نزلت عليهم الحجارة من جانبي الوادي كالمطر، ودام القتال إلى الليل، فرجع العسكر، وأخبروا الملك، فعلم أنه لا طاقة له بأهل الجبل لتحصنهم، فأعرض عنهم.
ثم قال ابن تومرت لعبد الله الونشريسي: هذا أوان إظهار فضائلك وفصاحتك دفعةً واحدة، ثم اتفقا على أن يصلي الصبح، ويقول بلسانٍ فصيح: إني رأيت في النوم أنه نزل بي ملكان من السماء، وشقا فؤادي، وغسلاه، وحشياه علمًا وحكمة، فلما أصبح فعل ذلك، فدهشوا وعجبوا منه، وانقادوا له كل الانقياد، فقال ابن تومرت له: فعجل لنا البشرى في أنفسنا، وعرفنا أسعداء نحن أم أشقياء؟ فقال له: أما أنت فإنك المهدي القائم بأمر الله، من تبعك سعد، ومن خالفك شقي.