للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذي كان يسكن عند المنكلانية. وسأكشف عن هذا، ثم اشتراه الأمير علاء الدين البندقدار الصالحي فطلع بطلا شجاعا نجيبا لا ينبغي أن يكون إلا عند ملك. فأخذه الملك الصالح إليه وصار من جملة البحرية. وشهد وقعة المنصورة بدمياط وصار أميرا في الدولة المعزية. وتقلبت به الأمور وجرت له أحوال ذكرناها في الحوادث واشتهر بالشجاعة والإقدام وبعد صيته. ولما سارت الجيوش المنصورة من مصر لحرب التتار كان هو طليعة الإسلام. وجلس على سرير الملك بعد قتل الملك المظفر وذلك في سابع عشر ذي القعدة من سنة ثمان وخمسين بقلعة الجبل وكان أستاذه البندقدار من بعض أمرائه.

وكان غازيا، مجاهدا، مرابطا، خليقا للملك، لولا ما كان فيه من الظلم والله يرحمه ويغفر له ويسامحه، فإن له أياما بيضاء في الإسلام ومواقف مشهودة وفتوحات معدودة.

وله سيرتان كبيرتان لابن عبد الظاهر ولابن شداد (١) رحمهما الله، لم أقف عليهما بعد.

وقد دخل الروم، قبل موته بشهرين وكسر التتار ودخل مدينة قيصرية وجلس بها في دست الملك وصلى بها الجمعة وخطبوا له وضربت السكة باسمه وذلك في ذي القعدة، ثم رجع وقطع الدربند وعبر النهر الأزرق ودخل دمشق في سابع المحرم مؤيدا منصورا، فنزل بالقلعة، ثم انتقل إلى قصره الأبلق، فمرض في نصف المحرم وانتقل إلى عفو الله وسعة رحمته يوم الخميس بعد الظهر الثامن والعشرين من المحرم بالقصر وحمل إلى القلعة ليلا مع أكابر أمرائه وغسله وصبره المهتار شجاع الدين عنبر والكمال علي ابن المتيجي الإسكندراني المؤذن والأمير عز الدين الأفرم. ووضع في تابوت وعلق في بيت بالقلعة وهو في أول عشر الستين، وخلف عشرة أولاد: الملك السعيد محمد وسلامش وخضر وسبع بنات، قال ذلك الشيخ قطب الدين (٢) وقال: كان له عشرة آلاف مملوك.


(١) كتاب ابن عبد الظاهر هو "الروض الزاهر في سيرة الملك الظاهر" مطبوع مشهور، وكتاب ابن شداد "تاريخ الملك الظاهر" نُشر قسم منه.
(٢) ذيل مرآة الزمان ٣/ ٢٣٩ فما بعد.