للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جنكزخان، ومعه باجي ملك في جيش عرمرم مائة ألف أو يزيدون. ولما لم يجدوا بها حجارة عمدوا إلى أصول التوت فقطعوها ودوروها، ورموا بها بدلاً عن حجارة المنجنيق، وحرص أوكتاي كل الحرص أن يتسلمها بالأمان ولا يؤذي فيها، فأجابه الأكابر، غير أن السفهة غلبوهم على رأيهم بإغرائهم، وجرى عليها حربٌ لم يُسمع بمثله؛ بحيث إنه كانت تؤخذ المحلة منها فيقاتل أهلها، ثم ينضمون إلى المحلة التي تليها فيقاتلون، إلى أن أخذت محلةٌ بعد محلة، حتى لم يبق معهم إلا ثلاث محال، فتزاحم بها الخلائق، فطلبوا الأمان حينئذ، فلم يؤمنوا وقتلوهم صبراً. هذا معنى ما ذكره أبو سعد شهاب الدين النسوي.

قلت: ومما أخذت التتار: نيسابور، ومرو، وهراة، وبلخ، وترمذ، وسرخس، وطوس، وخوارزم، وسائر مدن خُراسان. وذهب تحت السيف أمم لا يحصيها إلا الله تعالى.

وقال الموفق عبد اللطيف: انشعب من التتار فرقتان كما ينشعب من جهنم لسانان، فرقة قصدت أذربيجان وأران ثم بلاد الكرج، وفرقة أتت على همذان وأصبهان، وخالطت حُلوان تقصد بغداد.

أما الأولى فأفسدت البلاد التي مرت عليها، فلما وصلوا إلى بلاد الخزر جمع الكرج جموعهم ولقوهم، فانهزموا، يعني الكرج، وقتل من صميمهم ثمانية آلاف، ومن الأتباع والفلاحين عددٌ كثير. وتقنطر ملكُ الكرج فتداركه الأمراء فاستنقذوه من أنيابهم العُضل، واعتصم ببعض القلاع، والتتر يموجون في البلاد بالإفساد، ويعضون على من سلم الأنامل من الغيظ، انفرد منهم فارس، فقال ملك الخزر: أما عندنا من يخرج إليه؟ فانتخى بطل من الكرج وخرج إليه، فما عتم أن قتله التتري واقتاد فرسهٌ ورجع رويداً، وأخذ يفسر الفرس ليعلم سنه، فعجب ملك الخزر وقال: انظروا كأنه قد وزن فيه الثمن.

ثم حشد الكرج نوبة أخرى، واستنجدوا بعسكر أرزن الروم، وقال الناس: إنهم لا يرجعون. فلما اشتدت شوكة الكرج رجع التتر بغير أمر معروف، ولا سبب مخوفٍ، بل لسعادة لحقت، وأيام بقيت، وكان هذا سنة ثمان عشرة، وأنا بأرزن.

ورجع التتر إلى شروان فأخذوها بالسيف وقتلوا أهلها، وتجاوزوا

<<  <  ج: ص:  >  >>