مبدئ الأمم ومبيدها، ومردي الملوك ومعيدها، ودخل طغرلبك بغداد في تجمل عظيم، وكان يوما مشهودا دخل معه ثمانية عشر فيلا، ونزل بدار المملكة، وكان قدومه على صورة غريبة، وذلك أنه أتى من غزو الروم إلى همذان، فأظهر أنه يريد الحج، وإصلاح طريق مكة، والمضي إلى الشام من الحج ليأخذها ويأخذ مصر، ويزيل دولة الشيعة عنها، فراج هذا على عموم الناس، وكان رئيس الرؤساء يؤثر تملكه وزوال دولة بني بويه، فقدم الملك الرحيم من واسط، وراسلوا طغرلبك بالطاعة.
وفيها توفي ذخيرة الدين ولي العهد أبو العباس محمد ابن أمير المؤمنين القائم، فعظمت على القائم الرزية بوفاته، فإنه كان عضده، وخلف ولدا وهو الذي ولي الخلافة بعد القائم، ولقب بالمقتدي بالله.
وفيها عاثت جيوش طغرلبك بالسواد ونهبت وفتكت، حتى أبيع الثور بعشرة دراهم، والحمار بدرهمين.
وجرت ببغداد فتنة عظيمة قتل فيها خلق، وبسببها قبض على الملك الرحيم وسجن في قلعة.
وفيها ثارت الحنابلة ببغداد ومقدمهم أبو يعلى، وابن التميمي، وأنكروا الجهر بالبسملة ومنعوا من الجهر والترجيع في الأذان والقنوت، ونهوا إمام مسجد باب الشعير عن الجهر بالبسملة، فأخرج مصحفا وقال: أزيلوها من المصحف حتى لا أتلوها.
وبقي الملك الرحيم محبوسا إلى أن مات سنة خمسين وأربعمائة بقلعة الري، سامحه الله.
[سنة ثمان وأربعين وأربعمائة]
فيها تزوج الخليفة القائم بأمر الله بخديجة أخت السلطان طغرلبك، وقيل: خديجة بنت داود أخي طغرلبك، وكان الصداق مائة ألف دينار.
وفيها سار السلطان بالجيش وآلات الحصار والمجانيق قاصدا الموصل، فنازل تكريت وحاصرها.