بجيشه، فقصده قبل أن يصل إليها سليمان، وكان مع تتش أرتق التركماني جد أصحاب ماردين، وكان شجاعا سعيدا، لم يحضر مصافا قط إلا وكان الظفر له. وقد كان فارق ابن جهير لأمر بدا منه، ولحق بتاج الدولة تتش، فأعطاه القدس. والتقى الجمعان، وأبلى يومئذ أرتق بلاء حسنا، وحرض العرب على القتال، فانهزم عسكر سليمان، وثبت سليمان بخواصه إلى أن قتل، وقيل: بل أخرج سكينا عند الغلبة قتل بها نفسه. ونهب أصحاب تتش شيئا كثيرا، ثم إنه سار لأخذ حلب فامتنعوا، فحاصرهم وأخذها بمخامرة جرت.
وأما السلطان فإن البرد وصلت إليه بشغور حلب من ملك، فساق بجيوشه من أصبهان، فقدمها في رجب، وهرب أخوه عنها ومعه أرتق. وكانت قلعة حلب عاصية مع سالم ابن أخي شرف الدولة، فسلمها إلى السلطان، وعوضه عنها بقلعة جعبر، فبقيت في يده ويد أولاده إلى أن أخذها السلطان نور الدين.
وأرسل الأمير نصر بن علي بن منقذ إلى السلطان ملكشاه يبذل الطاعة، وسلم إليه لاذقية وكفرطاب وفامية، فترك قصده وأقره على شيزر. ثم سلم حلب إلى قسيم الدولة آقسنقر، فعمرها وأحسن السيرة. وأما ابن الحتيتي فإن أهلها شكوه، فأخذه السلطان معه، وتركه بديار بكر، فافتقر وقاسى. وأما ولده فقتلته الفرنج بأنطاكية لما ملكوها.
خبر وقعة الزلاقة بالأندلس: وهو أن الأدفونش - لعنه الله - تمكن وتمرد، وجمع الجيوش فأخذ طليطلة، فاستعان المسلمون بأمير المسلمين يوسف بن تاشفين صاحب سبتة ومراكش، فبادر وعدى بجيوشه، واجتمع بالمعتمد بن عباد بإشبيلية، وتهيأ عسكرها وعسكر قرطبة، وأقبلت المطوعة من النواحي. وسار جيش الإسلام حتى أتوا الزلاقة - من عمل بطليوس - وأقبلت الفرنج، وتراءى الجمعان، فوقع الأدفونش على ابن عباد قبل أن يتواصل جيش ابن تاشفين، فثبت ابن عباد وأبلى بلاء حسنا، وأشرف المسلمون على الهزيمة، فجاء ابن تاشفين عرضا، فوقع على خيام الفرنج فنهبها وقتل من بها، فلم تتمالك النصارى لما رأت ذلك أن انهزمت، فركب ابن عباد أقفيتهم، ولقيهم ابن تاشفين من بين أيديهم، ووضع فيهم السيف، فلم ينج منهم إلا القليل، ونجا الأدفونش في طائفة. وجمع المسلمون من رؤوس الفرنج كوما كبيرا وأذنوا عليه، ثم أحرقوها لما جيفت. وكانت الوقعة يوم الجمعة في أوائل رمضان، وأصاب المعتمد بن عباد جراحات سليمة في وجهه. وكان العدو خمسين ألفا، فيقال: إنه لم يصل منهم إلى بلادهم ثلاثمائة نفس. وهذه ملحمة لم يعهد مثلها، وحاز المسلمون غنيمة عظيمة.