قلاعهم، ويطلب من الخليفة المعونة في ذلك، وأحضر رجل منهم كان قاطناً ببغداد، ووقف على الكتب، وأخرج بها وبكتب أخرى على وجه النصيحة نصف الليل على البريد، فلما وصل ألموت، أرهبهم، فما وجدوا مخلصاً إلا التظاهر بالإسلام، وإقامة شعاره. وسيروا إلى بغداد رسولاً ومعه مائتا شاب منهم، ودنانير كبارا في مخانق، وعليها لا إله إلا الله محمد رسول الله، وطافوا بها في بغداد، وجميع من حولها يعلن بالشهادتين.
وكان الناصر لدين الله قد ملأ القلوب هيبة وخيفة. فكان يرهبه أهل الهند ومصر كما يرهبه أهل بغداد، فأحيى هيبة الخلافة وكانت قد ماتت بموت المعتصم، ثم ماتت بموته. ولقد كنت بمصر والشام في خلوات الملوك والأكابر، فإذا جرى ذكره، خفضوا أصواتهم هيبة وإجلالاً.
وورد بغداد تاجرٌ معه متاع دمياط المذهب، فسألوه عنه، فأنكر، فأعطي علاماتٍ فيه من عدده وألوانه وأصنافه، فازداد إنكاره، فقيل له: من العلامات أنّك نقمت على مملوكك التّركيّ فلان، فأخذته إلى سيف بحر دمياط خلوةً، وقتلته ودفنته هناك، ولم يشعر بذلك أحد.
قال ابن النجار في ترجمة النّاصر: دانت له السلاطين، ودخل تحت طاعته من كان من المخالفين، وذلّت له العتاة والطّغاة، وانقهرت بسيفه الجبابرة والبغاة، واندحض أضداده وأعداؤه، وكثر أنصاره وأولياؤه، وفتح البلاد العديدة، وملك من الممالك ما لم يملكه من تقدّمه من الخلفاء والملوك أحد، وخطب له ببلاد الأندلس وبلاد الصّين، وكان أسد بني العباس، تتصدّع لهيبته الجبال، وتذلّ لسطوته الأقيال. وكان حسن الخلق، لطيف الخلق، كامل الظّرف، فصيح اللّسان، بليغ البيان، له التّوقيعات المسدّدة، والكلمات المؤيّدة، كانت أيامه غرّةً في وجه الدّهر، ودرّةً في تاج الفخر. وقد حدّثني الحاجب أبو طالب عليّ بن محمد بن جعفر قال: برز توقيعٌ من الناصر لدين