اللهم أمتعني بسمعي وبصري، واجعلهما الوارث منّي معناه مشكلٌ، فإنّ العلماء قالوا: كيف يكون سمعه وبصره يرثانه بعده دون سائر أعضائه؟ فتأوّلوه أنّه أراد بذلك الدّعاء لأبي بكر وعمر، بدليل قوله: إنّي لا غنى بي عنهما، فإنّهما من الدّين بمنزلة السَّمع والبصر من الرّأس. فكأنّه دعا بأن يمتّع بهما في حياته، وأن يرثاه خلافة النُّبوَّة بعد وفاته. ولا يجد العلماء لهذا الحديث وجهاً ولا تأويلاً غير هذا.
فرأيت أبا هريرة في المنام، وكنت مارّاً في مقبرة سراسكبهر، فقال لي: أتعرفني؟ فقلت: لا. قال: أنا أبو هريرة. أصبت ما قلت، أنا رويت هذا الحديث وكذا أراد به النبي صلى الله عليه وسلم ما فسّرت.
سمعت أبا الفضل يقول: مرضت حتّى غلب على ظنّي أنّي سأموت، فاشتدّ الأمر وعندي أبي وعمر خادم لنا، فكان أبي يقول: يا بنيّ أكثر من ذكر الله. فأشهدته وعمر على نفسي، أنّي على دين الإسلام، وعلى السُّنّة. فرأيت وأنا على تلك الحال كأنّ هيبةً دخلت قلبي، فنظرت فإذا أنا برجلٍ يأتي من جهة القبلة، ذو هيبة وجمال، كأنّه يسبح في الهواء، فازددت له هيبةً. فلمّا قرب منّي قال لي: قل. قلت: نعم. وهبته أن أقول له: ماذا أقول. فكرَّر علي وقال: قل. قلت: نعم، أقول. فقال: قل الإيمان يزيد وينقص، والقرآن كلام الله غير مخلوق بجميع جهاته، وأنّ الله تعالى يرى في الآخرة، وقل بفضل الصّحابة، فإنّهم خيرٌ من الملائكة بعد الأنبياء.
قلت: لست أطيق أن أقول ذلك من الهيبة. فقال: قل معي. فأعاد الكلمات فقلتها معه، فتبسَّم، وقال: أنا أشهد لك عند العرش.
فلمّا تبسَّم سكن قلبي، وذهبت عنّي الهيبة، فأردت أن