رفع رأسه إلى السَّماء وقال: اللهم إني أشهدك إن عوفيت لأنصرنَّهم. قال: ففارقته الحُمَّى بعد ثلاث، فنادى في عسكره: الغزاة، وبرَّز خيمته، ثم توجَّه بعساكره، فلما أشرف على حلب رحل الفرنج عنها، وتأخروا إلى جبل جوشن، فقاربها وخرج أهلها إلى لقائه فقصد نحو الفرنج بعسكره وبأهل البلد، فانهزم الفرنج، فسار وراءهم حتى أبعدوا، ورجع ودخل البلد، ورتَّبه وجلب إليه الغلال، وكان ذلك في آذار، فجعل الناس يبلُّون الحنطة والشَّعير بالماء ويزرعونها، وجاء مغل صالح. وترك ولده عز الدين مسعوداً بها، وعاد إلى الموصل، فقتلته الإسماعيلية بالجامع يوم الجُمُعة، ثار عليه عشرة فقتل بيده منهم ثلاثة وقُتِل، ولم يفلت منهم سوى رجل، وذلك في تاسع ذي القعدة من سنة عشرين. وقيل: إنهم كانوا بزي الصُّوفية، وكان قد تصدى لإبادة الإسماعيلية والباطنية، وقَتَلَ منهم جماعة كثيرة.
قال القاضي بهاء الدين بن شدَّاد: كان البرسقي دينا، عادلاً، حسن الأخلاق، يؤثر عنه أنه قال لقاضيه: أريد أن تساوي بين الرَّفيع والوضيع في مجلس الحُكم، فقال: كيف لي بذلك؟ فقال: الطريق في هذا أن ترتاد لي خصماً وتدعوني إلى مجلس الحكم، فإذا حضرت إليك تلتزم معي ما تلتزمه مع خصمي. ثم قال لزوجته الخاتون: وكِّلي وكيلاً يطالبني بصداقك، فوكلت رجلاً، فمضى إلى مجلس الحكم، وقال: لي خصومة مع قسيم الدولة وأطلب حضوره إلى مجلسك. فسيَّر بطلبه، فحضر إلى الحكم، فلم يقم له القاضي، وساوى بينه وبين الوكيل، فادَّعى عليه، فاعترف، فأمره القاضي بدفع المال، فقام ودفع إليه من خزانته. ثم إنه أمر القاضي أن يتخذ مسماراً على باب داره نقشه أجب داعي الله وأن يختم عليه بشمعه، فمن كان له خصم حضر وختم بشمعه على ذلك المسمار ومضى إلى خصمه بها كائناً مَنْ كان، فلا يجسر أن يتخلَّف، فرحمه الله تعالى. وولي بعده ابنه عز الدين مسعود فلم يسن.
٤٠١ - بهرام بن بهرام بن فارس، أبو شجاع البغدادي البيع.