الرابع عشر من المحرَّم، وبقي السّيف يعمل فيها أربعة وثلاثين يومًا.
وبَلَغَنَا أنّ آخر جُمعة خطب فيها الخطيب ببغداد كانت الخطبة: الحمد لله الّذي هدم بالموت مُشيّد الأعمار، وحكم بالفناء على أهل هذه الدار. وكان السّيف يعمل في الجمعة الأخرى، فإنَّا لله وإنا إليه راجعون. اللهم آجِرنا في مُصيبتنا التي لم يُصب الإسلامُ وأهلُه بمثلها.
ولتقيّ الدّين إسماعيل بن أبي اليُسر قصيدة مشهورة في بغداد وهي:
لسائل الدَّمع عن بغداد أخبارُ فما وقوفُك والأحباب قد ساروا يا زائرين إلى الزَّوراء لا تفدوا فما بذاك الحمى والدّار ديّارُ تاجُ الخلافة والرّبع الّذي شرُفَتْ به المعالم قد عفّاه إقفارُ أضحى لعطف البِلَى في ربْعه أثر وللدُّموع على الآثار آثارُ يا نار قلبي من نارٍ لحرب وَغى شبَّت عليه ووافى الرَّبْع إعصارُ علا الصّليبُ على أعلى منابرها وقام بالأمر من يحويه زنّارُ وكم حريم سَبَتْه الترك غاصبةٌ وكان من دون ذاك السّتر أستارُ وكم بُدُور على البدريّة انخسفت ولم يعد لبُدور منه إبدارُ وكم ذخائر أضحت وهي شائعةٌ من النُّهاب وقد حازته كفَّارُ وكم حدود أقيمت من سيوفهم على الرّقاب وحُطّت فيه أوزارُ ناديت والسَّبيُ مهتوكٌ تجرّهم إلى السِّفاح من الأعداء ذعّارُ وهم يساقون للموت الذي شهدوا النّار يا رب من هذا ولا العارُ والله يعلم أن القوم أغفلهم ما كان من نِعم فيهنّ إكثارُ فأهملوا جانب الجبّار إذ غفلوا فجاءهم من جنود الكُفْر جبّارُ يا للرجال بأحداث تحدّثنا بما غدا فيه إعذار وإنذارُ من بعد أسْرِ بني العبّاس كلّهم فلا أنار لوجه الصُّبح إسفارُ ما راق لي قطُّ شيءٌ بعد بَيْنهم إلاّ أحاديث أرْويها وآثارُ لم يبق للدّين والدّنيا وقد ذهبوا سوقٌ لمجدٍ وقد بانوا وقد باروا إن القيامة في بغداد قد وجدت وحدها حين للإقبال إدبار آل النّبيّ وأهل العلم قد سُبيوا فمن ترى بعدهم تحويه أمصارُ ما كنتُ آمُلُ أن أبقى وقد ذهبوا لكن أتى دون ما أختار أقدارُ