للموت على شدّة القحط، فدخلوا، وقتلوا، وسبوا، واستحلّوا سائر المحرّمات، دخلوا نصف اللّيل فبقوا كذلك إلى آخر صبيحته، ثمّ رفعوا السّيف، وشرعوا في المصادرات والعذاب. وكانوا يتعمّدون الفقهاء والأخيار بالقتل والتّعذيب أكثر من غيرهم.
وأمّا الكامل، فانصرف إلى مصر بغتةً، فضعف النّاس، وأيقنوا أنّ الخوارزميّ إنّ ملك الشّام والرّوم عفى آثارها وأباد سكانها.
ثمّ اصطلح الأشرف وعلاء الدّين صاحب الروم صلحاً تامّاً بعد عداوةٍ أكيدة، وجيّشوا الجيوش، والقلوب مع ذلك مشحونةٌ خوفاً، ولم يزل على وجلٍ مفرط من التقاء الجيشين، حتّى أتاح الله كسرة الخوارزميّين بأهون مؤنة.
فقرأت في كتاب بعض الأجناد: إنّا رحلنا من سيواس، وطلبنا منزلةً يقال لها ياصي جمان في طرف أعمال أرزنجان، إذ بها عشب ومياه؛ فلمّا سمع العدوّ بمجيء العسكرين، ساق سوقاً حثيثاً في ثلاثة أيّام، ونزل المرج المذكور وبه جماعة من عسكر، فكبسهم بكرة الرابع والعشرين من رمضان، وضرب الأشرف المصافّ مع الخوارزميّ، وقامت الحرب على ساقٍ إلى قرب الظهر، ثمّ نصر الله، وكسر العدوّ شرّ كسرة. وكان معه خلق لا يحصون. والمصافّ في اليوم التّاسع والعشرين من رمضان.
قال الموفّق: ثمّ تواصل النّاس ومعهم السّبي والأخاديد من المماليك والدّوابّ والأسلحة، والكلّ رديء، يباع الجوشن بثلاثة دراهم، والفرس هناك بخمسة دراهم، وفي حلب بعشرين درهماً وثلاثين في غاية الرداءة. وكذا قسيّهم وسائر أسلحتهم. ووصل منهم أسرى فيهم رجل، حكى لمن أنس به من الفقهاء العجم، قال: إنّ صاحبنا دهش وتحيّر لما شارف عسكر الشّام، فلمّا رأيناه كذلك، انقطعت قلوبنا، ولولا عسكر الشّام، أبدنا عسكر الروم، أنا بنفسي قتلت منهم خمسين فارساً.
وحكى نسيب لنا جنديٌّ، قال: وصلنا إلى مرج ياصي جمان، ونحن متوجّهون إلى خلاط على أنّ العدوّ بها، فإذا بعسكر الخوارزميّ محيطٌ بنا، فوقع على طائفة من عسكر الرّوم، فقتل منهم نحو مائتين، ونهب، وأسر. ثمّ