وفي سنة خمسين وأربعمائة قحطت بلادهم وماتت مواشيهم، فأمر عبد الله بن ياسين ضعفاءهم بالخروج إلى السوس، وأخذ الزكاة، فخرج منهم نحو سبعمائة رجل، فقدموا سجلماسة، وسألوا أهلها الزكاة، وقالوا: نحن قوم مرابطون خرجنا إليكم نطلب حق الله من أموالكم. فجمعوا لهم مالاً ورجعوا به.
ثم إن الصحراء ضاقت بهم، وأرادوا إظهار كلمة الحق، وأن يسيروا إلى الأندلس للجهاد، فخرجوا إلى السوس الأقصى، فاجتمع لهم أهل السوس وقاتلوهم فهزموهم، وقتل عبد الله بن ياسين. وهرب أبو بكر بن عمر إلى الصحراء، فجمع جيشاً وطلب بلاد السوس في ألفي راكب، فاجتمعت لحربه من قبائل بلاد السوس وزناتة اثنا عشر ألف فارس، فأرسل إليهم رسلاً، وقال: افتحوا لنا الطريق فما قصدنا إلا غزو المشركين. فأبوا عليه واستعدوا للحرب، فنزل أبو بكر وصلى الظهر على درقته وقال: اللهم إن كنا على الحق فانصرنا عليهم، وإن كنا على باطل فأرحنا بالموت.
ثم ركب والتقوا فهزمهم، واستباح أبو بكر أسلابهم وأموالهم وعددهم، وقويت نفسه.
ثم تمادى إلى سجلماسة فنزل عليها، وطلب من أهلها الزكاة، فقالوا لهم: إنما أتيتمونا في عدد قليل فوسعكم ذلك، وضعفاؤنا كثير، وما هذه حالة من يطلب الزكاة بالسلاح والخيل، وإنما أنتم محتالون، ولو أعطيناكم أموالنا ما عمتكم. وبرز إليهم مسعود صاحب سجلماسة بجيشه، فحاربوه، وطالت بينهم الحرب. ثم ساروا إلى جبل هناك، فاجتمع إليهم خلق من كرونة، فزحفوا إلى سجلماسة وحاربوا مسعود بن واروالي إلى أن قتل، ودخلوا سجلماسة وملكوها، فاستخلف عليها أبو بكر بن عمر يوسف بن تاشفين اللمتوني، أحد بني عمه، فأحسن السيرة في الرعية، ولم يأخذ منهم شيئاً سوى الزكاة. وكان فتحها في سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة.
ورجع أبو بكر إلى الصحراء فأقام بها مدة. ثم قدم سجلماسة، فأقام بها سنة وخطب بها لنفسه، ثم استخلف عليها ابن أخيه أبا بكر بن إبراهيم بن عمر، وجهز جيشاً عليهم يوسف بن تاشفين إلى السوس فافتتحه.