وكان كثير الدعاء بالليل والنهار، إذا دعا كان القلب يشهد بإجابة دعائه من كثرة ابتهاله وإخلاصه، وقد رُوي أن الله يحب المُلحّين في الدعاء. وكان بين الصلاتين يوم الأربعاء يمضي إلى مقابر الشهداء بباب الصغير، فيدعو ويجتهد له وللمسلمين إلى قرب العصر، لا يكاد يفوته ذلك؛ لما رُوي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا في بعض الأيام، فلما كان يوم الأربعاء بين الظُّهر والعصر استُجيب له، قال جابر: فما أصابني أمر غائظ، فتوخّيت ذلك الوقت، فدعوت إلا رجوت الإجابة. قال: وكان يُفتح عليه من الأدعية شيء ما سمعته من غيره قطّ، وجرى بيننا ذِكر إجابة الدعاء، فقال: ما رأيت مثل هذا الدعاء، أو قال: أسرع إجابة: يا الله يا الله أنت الله، بلى، والله أنت، لا إله إلا أنت، الله الله الله الله إنه لا إله إلا الله. ومن دعائه المشهور: اللهمّ اغفر لأقسانا قلباً، وأكبرنا ذنباً، وأثقلنا ظهراً، وأعظمنا جُرماً، وأقلّنا حياء منك، ووفاءً بعهدك، وأكثرنا تخليطاً وتفريطاً، وتقصيراً، وتعثيراً، وتسويفاً، وطول أمل مع قُرب أجل، وسوء عمل.
وكان يدعو: يا دليل الحيارى دلّنا على طريق الصادقين، واجعلنا من عبادك الصالحين، واجذبنا إليك جَذبة حتى نموت عليها، وأصلح ما بيننا وبينك، ولا تمقُتنا، وإن كنت مَقَتَّنا، فاغفر لنا، ولا تُسقِطنا من عينك، يا كريم.
ومن ورعه، كان إذا أفتى في مسألة يحترز فيها احترازاً كثيراً. وسمعت عن بعض الشافعية أنه كان يتعجّب من فتاويه ومن كثرة احترازه فيها. وكان إذا أخذ من لحيته شَعرةً، أو برى قلماً، احتفظ بذلك، ولا يدعه في المسجد ويُخرجه. سمعت أبا محمد بن عبد الرزّاق بن هبة الله قال: سمعت الشيخ عبد الله البطائحي يقول: أشكلت عليّ مسألة في الوَرَع، فما