ثم أمرهم بالخروج من البلد، فخرجوا مجردين، فأمر التتار أن ينهبوا البلد، فنهبوه، وقتلوا من وجدوا به، وأمر التتار أن يقتسموا المُسلمين، فتمزقوا كل مُمُزق، وأصبحت بخارى خاوية على عروشها، وسبوا النساء. ومن الناس من قاتل حتى قُتل، وكذا فعل الإمام ركن الدين إمام زادة، والقاضي صدر الدين وأولادهم. ثم ألقت التتار النار في البلد والمدارس والمساجد. وعذبوا الرؤساء في طلب المال.
ثم رحلو نحو سمرقند وقد تحققوا عجز خُوارزم شاه عنهم واستصحبوا أسارى بُخارى معهم مشاةً في أقبح حالٍ، ومن عجز قتلوهُ، فأحاطوا أيضاً بسمرقند، وبها خمسون ألف مقاتل، فخرج إليهم الشجعان من الرّجالة وغيرهم، فانهزموا لهم وأطمعوهم، ولم يخرج من الخمسين ألف أحدٌ لما قد وقر في قلوبهم من الرعب، وكان التتار قد أكمنوا لهم، فلما جازت الرجالُ ذلك الكمين، خرجوا عليهم وحالوا بينهم وبين البلد، فلم يسلم منهم أحدٌ.
قال: وكانوا على ما قيل سبعين ألفاً رحمهم الله، فضعفت نفوسُ الجُند والعامة، وأيقنوا بالهلاك، وطلب الجند الأمان، فأجابوهم، وفتحوا البلد، وخرجوا إلى التتار بأهاليهم وأموالهم، فقال لهم التتار: ادفعوا إلينا سلاحكم وخيلكم وأموالكم، ونحن نسيركم إلى مأمنكم. ففعلوا ذلك، فلما كان رابع يوم نادوا في العوام: ليخرجوا كلهم، ومن تأخر قتل، فخرج الجميعُ، ففعلوا بهم كما فعلوا بأهل بُخارى، نهبوا وسبوا وأحرقوا الجامع، وذلك في المُحرم من هذه السنة.
ثم سير جنكزخان عشرين ألف فارس خلف خُوارزم شاه، فأتوا جيحون، فعملوا من الخشب مثل الأحواض، وألبسوها جلود البقر لئلا يدخلها الماءُ، ووضعوا فيها سلاحهم وأمتعتهم، وألقوا الخيل في الماء، وأمسكوا بأذنابها، وتلك الحياض مشدودة إليهم، فكان الفرسُ يجذب الرجل، والرجل يجذب الحوض، فعبروا كلهم، فلم يشعر خُوارزم شاه إلا وقد خالطوه. واختلفت الخطا عليه، كما ذكرنا، وانهزم، وساقوا وراءه إلى أن ركب البحر إلى قلعة له فأيسوا منه، وقصدوا الري وبلاد مازندران فملكوها في أسرع وقت، وصادفوا في الطريق والدة خُوارزم شاه ونساءهٌ وخزائنه، وكان قصدها أصبهان، فأخذوها وسيروها برمتها إلى جنكزخان وهو بسمرقند.