وأنت مملوك أبعت في سيواس، فكيف تشاق ملك الأرض؟ فأجاب: إني في طلب جميع ما استوليتم عليه من العراق والجزيرة والروم، ثم جهزهم.
وفيها وصل إليه صاحب صهيون الأمير سيف الدّين محمد ابن مظفر الدّين عثمان بن منكورس، وقدم مفاتح صهيون فخلع عليه، وأبقاها بيده.
وفي أواخر رجب خرج السلطان فنزل على الخربة، ثم ركب منها على البريد سراً إلى القاهرة، بعد أن عرَّف الفارقاني أنه يغيب، وقرر مع الفارقاني أن يحضر الأطباء كل يوم، ويستوصف منهم للسلطان، يوهم أنه مريض، فيعمل ما يصفونه، ويدخل به إلى الدهليز، ودخل السلطان مصر في اليوم الرابع، وأقام بها أربعة أيام ثم رد على البريد إلى المخيم الشريف، فكانت الغيبة أحد عشر يوماً، وكان غرضه كشف حال ولده، وكيف دسته.
وفي رمضان تسلم نواب السلطان قلعة بلاطنس وقلعة بكسرابيل من عز الدّين أحمد بن مظفر الدّين عثمان بن منكورس الصهيوني، وعوِّض عنهما قرية من عمل شيزر، وتوجه السلطان إلى صفد، فأقام بها يومين، وأغار على أعمال صور، وعيّد بالجابية، ثم انتقل إلى الفوار، ثم سار إلى الكرك، ومنها إلى الحج فحج معه الأمير بدر الدّين بيليك الخزندار، والقاضي صدر الدّين سليمان، وفخر الدين بن لقمان، وتاج الدّين ابن الأثير، ونحو ثلاثمائة مملوك، وجماعة من أعيان الحلقة، فقدم المدينة في أواخر ذي القعدة.
وكان جّماز قد طرد ابن أخيه مالكاً عن المدينة، واستقل بإمرتها، فهرب من السلطان، فقال السلطان: لو كان جماز يستحق القتل ما قتلته لأنه في حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تصدق بصدقات، وحج، فتلقاه أبو نمي وعمه إدريس فخلع عليهما، ووقف بعرفة يوم الجمعة، ثم أفاض، وغسل الكعبة بماء الورد، وطيبها بيده، وأقام إلى ثالث عشر ذي الحجة، وزار المدينة ووصل الكرك يوم التاسع والعشرين من الشهر، فصلى بها يوم الجمعة، ثم ساق منه على البريد، فوصل دمشق بكرة الأحد يوم ثاني المحرم من سنة ثمانٍ، فخرج النجيبي فصادفه في سوق الخيل، فنزل وقبّل الأرض.