فأجاب بشيء من كلام جالينيوس، وقال: يا سيدنا، هذا جرى في اليوم الفلاني، في ميعاد فلان، وحفظته. فبقي الشيخ متعجبا من ذكائه وحرصه، واستخبره عن المكان الذي كان يجلس فيه، فأعلمه به فقال: من يكون بهذه المثابة ما نمنعه؟ وقربه وصار من أجل تلاميذه. وكان ببغداد مريض بالماليخوليا، بقي يعتقد أن على رأسه دنًا، وأنه لا يفارقه، وكان يتحايد السقوف القصيرة، ويطأطئ رأسه، فأحضره أبو البركات عنده، وأمر غلامه أن يرمي دنًا بقرب رأسه، وأن يضربه بخشبة يكسره، فزال ذلك الوهم عن الرجل وعوفي، واعتقد أنهم كسروا الدن الذي على رأسه. ومثل هذه المداواة بالأمور الوهمية معتبر عند الأطباء. وقد أضر أبو البركات في آخر عمره، وكان يملي على الجمال بن فضلان، وعلى ابن الدهان المنجم، وعلى يوسف والد عبد اللطيف، وعلى المهذب ابن النقاش كتاب المعتبر. وقيل: إن سبب إسلامه أنه دخل يومًا إلى الخليفة، فقام الحاضرون سوى قاضي القضاة، فلم يقم له لكونه يهوديًا، فقال: يا أمير المؤمنين، إن كان القاضي لم يوافق الجماعة لكونه يرى أني على غير ملته، فأنا أسلم بين يدي أمير المؤمنين، ولا أتركه ينتقصني. وأسلم. خلف أوحد الزمان أبو البركات ثلاث بنات، وعاش نحو ثمانين سنة.
وحدثني نجم الدين عمر بن محمد ابن الكريدي قال: كان أوحد الزمان وأمين الدولة ابن التلميذ بينهما معاداة، وكان أوحد الزمان لما أسلم يتنصل من اليهود ويلعنهم، فحضر في مجمع فقال أوحد الزمان: لعن الله اليهود. فقال ابن التلميذ: نعم وأبناء اليهود. فوجم لها أوحد الزمان ولم يتكلم. وله كتاب المعتبر، وهو في نهاية الجودة في الحكمة التي هي دين الفلاسفة، ومقالة في سبب ظهور الكواكب ليلًا واختفائها نهارًا، واختصار التشريح، وكتاب أقرباذين، ومقالة في الدواء الذي ألفه وسماه برشعثا، ورسالة في العقل وماهيته وغير ذلك.