وذبحه وهرب، فجاء ذاك وأنا أنظر، فأزال السكين، فأمسكوه، وأنا أعلم براءته، فلما قدم للقتل سمحت نفسي بالقتل، عسى أن يغفر لي ما مضى. فسأل الثالث فأقر، وأبدى أسباباً عرف بها أنه قاتله. وقال: لما رأيت هذا وهو بريء قد فدى بنفسه ذاك الأول. قلت: أنا أولى من أدى حقا وجب عليه، فقال الأمير: إن اخترتم أخذتم الدية والولاية أيضاً. قالوا: لا نفعل. فلما ذهبوا ليقتلوه ودارت الحلقة قالوا: اللهم إنا قد عفونا عنه لا لما بذله الأمير من الدية والولاية، ولكن لوجهك خالصاً.
وقيل: إن الأمير إبراهيم خرج يوماً إلى نزهة، فقدم إليه رجل قصة وقال: إجلالك أيها الأمير يمنعني أن أذكر حاجتي، وإذا في القصة: إنني عشقت جارية وتيمني حبها، فقال مولاها: لا نبيعها بأقل من خمسين دينارا، فنظرت في كل ما أملكه فإذا هو ثلاثون ديناراً، فإن رأى الأمير النظر في أمري. فأطلق له مائة دينار. فسمع به آخر، فتعرض له الآخر وقال: أعز الله الأمير، إني عاشق. قال: فما الذي تجد؟ قال: حرارة ولهيباً. قال: اغمسوه في الماء مرات حتى يبرد ما بقلبه. ففعلوا به ذلك فصاح، فقال: ما فعلت الحرارة؟ قال: ذهبت والله وصار مكانها برد. فضحك وأمر له بثلاثين ديناراً.
وكان طبيبه إسحاق بن عمران الإسرائيلي بارعاً في الطب، مشهوراً، وهو صاحب أطريفل إسحاق. وكان المعتمد أنفذ إسحاق إليه من بغداد. وكان إبراهيم يجزل عطاياه. وكان إسحاق يعجب بنفسه ويسيء أدبه على إبراهيم ويقول: بعد مجالسة الخلفاء صرت إلى ما أنا فيه، فلما أكثر عليه أمر بفصده في الأكحلين من ذراعيه إلى أن كاد يهلك. ثم رق له وقال: يمكنك أن ترد رمقك؟ قال: نعم، تشد المواضع، وتعجل لي بشرائح مشوية أمتصها. ففعل وسلم. وتمادى على طباعه، فأمر بقتله، فقال: والله إن مزاجك ليقضي بأن يصيبك من الخلط السوداوي ما يعجز عنه حذاق الأطباء، ويحتاج إلي، فقتله وصلبه، فبقي حتى عشش الحداء في جوفه، وهاج بإبراهيم كما قال خلط سوداوي، فقتل فيه جماعة من إخوته وأهله وبناته. ثم أفاق وأظهر التوبة، ورد المظالم، وفرق الأموال والصدقات في سنة ثمان وثمانين فظهر فيها أبو عبد الله الشيعي، فنفذ لحربه ابنه الأحول في اثني عشر ألفاً، فالتقى هو وأبو عبد الله، فهزمه أبو عبد الله، ثم جرت بينهما حروب. ثم هزم أبو عبد الله ووصل الأحول