وفي اليوم الثالث أحضروا ببغداد القضاة والعلماء عند الوزير علي بن طراد، وكتبوا محضرًا فيه شهادة طائفةٍ بما جرى من الراشد بالله من الظلم، وأخذ الأموال، وسفك الدماء، وشرب الخمر، واستفتوا الفقهاء في من فعل ذلك، هل تصح إمامته؟ وهل إذا ثبت فسقه يجوز لسلطان الوقت أن يخلعه، ويستبدل به خيرًا منه؟ فأفتوا بجواز خلعه، وفسخ عقده، ووقع الاختيار على تولية الأمير أبي عبد الله محمد ابن المستظهر بالله، فحضر السلطان مسعود والأمراء إلى دار الخلافة، وأحضر الأمير أبو عبد الله، وحضر الوزير، وأبو الفتوح بن طلحة، وابن الأنباري الكاتب، وبايعوه، ولقب بالمقتفي لأمر الله، وبايع الخلق وعمره أربعون سنة، وقد وخطه الشيب.
وخرج الراشد بالله من الموصل إلى بلاد أذربيجان، وكان معه جماعة، فقسطوا على مراغة مالًا، وعاثوا هناك، ومضوا إلى همذان فدخلوها، وقتلوا جماعة، وصلبوا آخرين، وحلقوا لحى جماعة من العلماء وأفسدوا، ثم مضوا إلى نواحي أصبهان فحاصروا البلد ونهبوا القرى، ونزل الراشد بظاهر أصبهان، ومرض مرضًا شديدًا، فبلغنا أن جماعةً من العجم كانوا فراشين معه دخلوا عليه خركاهه في سابع وعشرين رمضان، فقتلوه بالسكاكين، ثم قتلوا كلهم، وبلغنا أنهم كانوا سقوه سمًا، ولو تركوه لما عاش، وبني له هناك تربةً، سامحه الله.
قال ابن السمعاني: قتل فتكًا في سادس وعشرين رمضان صائمًا، ودفن في جامع مدينة جي، وعقد له العزاء ببغداد وأنا بها، عاش ثلاثين سنة.
وقال العماد الكاتب: كان له الحسن اليوسفي، والكرم الحاتمي، بل الهاشمي استدعى والدي صفي الدين ليوليه الوزارة، فتعلل عليه، خلف ببغداد نيفًا وعشرين ولدًا ذكرًا.
وقال ابن الجوزي: في سبب موته ثلاثة أقوال: أحدها: أنه سقي السم ثلاث مرات، والثاني: أنه قتله الفراشون، والثالث: أنه قتلته الباطنية، وجاء الخبر، فقعدوا له للعزاء يومًا واحدًا.