للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيها تردَّدت رُسُل التّتار إلى بغداد، وكانت الفرامين منهم واصلة إلى ناس بعد ناس من غير تَحَاش منهم في ذلك ولا خيفة، والخليفة والنّاس في غفلةٍ عمّا يُراد بهم ليقضيَ الله أمرًا كان مفعولًا.

وفي رمضان توجَّه الملك العزيز ابن السلطان الملك النّاصر يوسف، وهو صبيٌّ مع الأمير الزَّيْن الحافظي وجماعة بهدايا وتُحف إلى هولاكو.

وأما المصريون فاختلفوا وقُبض على جماعة منهم وقُتِل آخرون، وولي الوزارة القاضي تاج الدين ابن بنت الأعز.

وفيها كانت فتنةٌ هائلة ببغداد بين السُنَّة والشيعة أدّت إلى خراب ونهب، وقُتل جماعة من الفريقين، واشتد الأمر، ثم بعث الخليفة من سكَّن الفتنة.

وفي هذا الوقت ظهر بالشام طائفة الحيْدريّة، يقصّون لحِاهم ويلبسون فراجي من اللّبّاد وعليهم طراطير، وفي رقابهم حِلَقٌ كبار من حديد. زعموا أنّ الملاحدة أمسكوا شيخهم حيْدَر وقصوا ذَقْنه، وهم يُصلون ويصومون، ولكنهم قوم منحرفون، وكان أمر الدّين ضعيفًا في أيام النّاصر بدَوران الخمر والزنا وكثرة الظُّلم وعدم العدل، وظهور البدع، وغير ذلك.

وفيها وقعت وحْشةٌ في نفس الملك الناصر من البحريّة، وبلغه أنهم عزموا على الفتْك به، فأمرهم بالانتزاح عن دمشق، ففارقوه مُغاضِبين له ونزلوا غزَّة، ثم انتموا إلى الملك المغيث صاحب الكرك، وخطبوا له بالقدس، وأخذوا حواصل غزّة والقدس. ثمّ حصل الانتصار عليهم فانهزموا إلى البلقاء، ثم طمّعوا المغيث في أخذ مصر له، وأنفق فيهم الأموال، وساروا، فَجَرَت لهم وقعة مع المصريّين فانكسروا وزيّنت مصر.

قال ابن واصل: انقاد المغيث للبحريّة وأنزل إليهم بعض عسكره مع أتابكه الطّواشيّ بدر الدّين الصّوابيّ الذي ملّكه الكرك عند قتله الملك المعظم ابن الصّالح، وكان الصّالح لمّا تملّكها في آخر أيّامه استناب بها الصّوابيّ، وسيَّر إليها خزانةً عظيمة من المال، فضيّعه المغيث على البحرية طمعًا في الدّيار المصريّة، ثم سار جيش المغيث إلى مصر فبرز لحربهم جُندها فكثروهم، وجُرح سيف الدّين الرشيديّ وأُسر، فانهزم الصّوابيّ وركن الدّين

<<  <  ج: ص:  >  >>