ثم اجتمعوا بدار الحديث، وأحضِر ابن الحصيري، فقام عليه الحنفية وقالوا: حكمك لا يصح، فقال: ليس حكمي بباطل، ولكنه لا يلزم الخصم، وبحثوا في ذلك، فأحضر كُتباً ونقولاً، وقال عز الدين: لي بينة تشهد بعداوة ابن السنجاري، فقال: أثبت ذلك يا مولانا، وعليك المهلة ثلاثة أيام، وطلب ابن السكاكري الحكم من الحنفي على عادته وجرأته، فأخرج القاضي عز الدين فتاوى الفقهاء أن الدعوى من أصلها باطلة، إذ كانت بمجهول، فأفتى بذلك من حضر المجلس، فقال المشد للقاضي، ما تحكم، فقال: لا والله لا أحكم في هذه القضية، وقام منزعجاً وانحلت القضية فكتب بذلك صورة مجلس، ثم بعد أيام قال المشد للقاضي عز الدين: أيش المعمول؟ قال: تصلي ركعتين في الليل، وتدعو الله أن يكشف لك أمري، ومهما خطر لك بعد ذلك فافعل.
ثم سعى نائبا السلطنة حسام الدين طرنطاي ولاجين وعلم الدين الدواداري وبيّنوا للسلطان أن القاضي ما ثبت عليه شيء، وظهر أيضاً أن ريحان الخليفتي توفي سنة أربع وخمسين، وأن المحضر يتضمن أن ريحان سيرَّ الوديعة إلى ابن الإسكاف في أواخر سنة ست وخمسين، ثم قدم تجارٌ واجتمعوا بطرنطاي وعرّفوه: أن ريحان مات وعليه دين نحو اثني عشر ألف دينار، وفاها عنه الخليفة ونحن ما رأينا هذا القاضي، ولا لنا معه غرض، فأمر السلطان بإطلاقه مكرماً، فنزل من القلعة وزار شيخ دار الحديث، وعطف إلى ملك الأمراء لاجين فسلم عليه بدار السعادة، ثم مضى إلى دار القاضي بهاء الدين الذي ولي بعده، فسلم عليه، ثم أقام بمنزله بدرب النقّاشة، وطلع بعد أيام إلى بستانه بحميص، وبه مات إلى رحمة الله، وعند موته توضأ وصلى وجمع أهله وقال: هللوا معي، فبقي لحظة يهلل وعبر إلى الله، وكان آخر قوله: لا إله إلا الله.
توفي في تاسع ربيع الآخر، وله خمس وخمسون سنة، وكان لا يفصح بالراء.