الحافظ يقول: نحن إذا جاء إنسان اشتغلنا به عن عملنا، وأما خالي أبو عمر فيه للدنيا وللآخرة يخالط الناس وهو في أوراده لا يخليها.
سمعت أبا أحمد عبد الهادي بن يوسف يقول: كان الشيخ أبو عمر يقرأ بعض الليالي فربما غشي على بعض الناس من قراءته.
وأما خطبه، فكان إذا خطب ترق القلوب، ويبكي بعض الناس بكاءً كثيراً، وكان ربما أنشأ الخطبة وخطب بها. وكان يسمعنا ويقرأ لنا قراءة سريعة من غير لحن. ولا يكاد أحد يقدم من رحلة إلا قرأ عليه شيئاً من مسموعاته.
وكتب الكثير بخطه المليح من المصاحف والكتب مثل الحلية لأبي نعيم، والإبانة لابن بطة، وتفسير البغوي، والمغني لأخيه. وسمعته يقول: ربما كتبت في اليوم كراسين بالقطع الكبير. وكان يكتب لأهله المصاحف وللناس الخرقي بغير أجر.
وقد سمعت أن الناس كانوا يأتون إليه يقولون: اكتب لنا إلى فلان الأمير. فيقول: لا أعرفه. فيقال: إنما نريد بركة رقعتك. فيكتب لهم فتقبل رقعته. وكان يكتب كثيراً إلى المعتمد الوالي وإلى غيره، فقال له المعتمد: إنك تكتب إلينا في قوم لا نريد أن نقبل فيهم شفاعة، ونشتهي أن لا نرد رقعتك. فقال: أما أنا، فقد قضيت حاجتي، إني قضيت حاجة من قصدني، وأنتم إن أردتم أن تقبلوا رقعتي وإلا فلا، فقال له: لا نردها، أو كما قال.
وكان الناس قد احتاجوا إلى المطر، فطلع إلى مغارة الدم ومعه جماعة من محارمه النساء، فصلى بهن، ودعا في المطر حينئذ، وجرت الأدوية شيئاً لم نره من مدة.
وسمعت أبا عبد الله بن راجح يقول: كان لنور الدين أخ استعان بالفرنج على أخيه، ونور الدين مريض، فجاء الفرنج، فخرجنا مع الشيخ أبي عمر إلى مغارة الدم وقرأنا عشرة آلاف مرة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} ودعونا، فجاء مطر عظيم على الفرنج أشغلهم بنفوسهم وردوا.
سمعت عبد الله بن أبي عمر، حدثني ابن الصوري، صديق والدي، قال: جئنا يوماً إلى والدك ونحن جياع وكنا ثلاثة، فأخرج لنا سكرجة فيها لبن،