للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والفرض، وصلى اللَّه على محمد الذي أنزل عليه كتابًا فيه الشفاء والتبيان، إلى أن قال: وهذه التحية الطيبة وفادة على دار الملك، ومدار النُّسك، ومحل الجلالة، وأصل الأصالة، ورأس الرياسة، ونفس النفاسة، وعلم العلم، وقائم الدّين وقيمه، ومقدم الإسلام ومقدمه، ومثبت المتقين على اليقين، ومُعلي الموحدين على الملحدين، أدام اللَّه له النصرة، وجهَّز به العُسرة وبسط له باع القدرة. تحية أستنير منها الكتاب، وأستنيب عنها الجواب، وحفز لها حافزان، أحدهما شوق قديم كان مطل غريمه ممكنًا إلى أن تتيسر الأسباب، والآخر مُرام عظيم ما كرّه إذا استفتحت به الأبواب. وكان وقت المواصلة وموسم المكاتبة هناؤه بفتح بيت المقدس وعدة من الثغور، ولم تتأخر المكاتبة إلاّ ليتم الله ما بدا من فضله، والمفتتح بيد اللَّه مُدن وأمصار، وبلاد كبار وصغار، والباقي بيد الكُفر منها أطرابلس، وصور، وأنطاكية، يسّر اللَّه أمرها بعد أن كسر اللَّه العدو الكسرة التي لم يجبر بعدها، ولم يؤخر فتح هذه المدن الثلاثة، إلاّ أن فرع الكفار بالشام استصرخ بأصله، فأجابوهم رجالًا وفرسانًا، وزرافات ووحدانا، وبرًا وبحرًا، ومركبًا وظهرًا، وسهلًا ووعرًا. وخرج كل يلبي دعوة بطركه، ولا يحتاج إلى عزمة ملكه. ونزلوا على عكا يمدهم البحر بأمداده، ويصل إلى المقاتل ما يحتاجه من سلاحه وأزواده، وعدتهم مائة ألف أو يزيدون، كلما أفناهم القتل أخلفتهم النجدة.

قال: واستمر العدو يحاصر الثغر محصورًا منّا أشد الحصر، لا يستطيع قتال الثغر لأنا من خلفه، ولا يستطيع الخروج إلينا خوفًا من حتفه، ولا نستطيع الدخول إليه لأنه قد سور وخندق، وحاجز من وراء الحجرات وأغلق. ولما خرج ملك الألمان بجيشه وعاد على رسم قديم إلى الشام، فكان العود لأُمة أحمد أحمد. فظنوا أنه يزعجنا فبعثنا إليه من تلقاه بعسكرنا الشمالي، فسلك ذات الشمال متوعرًا، وأظهر أنه مريض. وكان أبوه الطاغية قد هلك في طريقه غرقًا، وبقي ابنه المقدم المؤخر، وقائد الجمع المكسر، وربما وصلهم إلى ظاهر عكا في البحر، تهيبًا أن يسلك البر، ولو سبق عساكرنا إلى عساكر الألمان قبل دخولها إلى أنطاكية لأخذوهم، ولكن لله المشيئة، ولما كانت حضرة سلطان الإسلام، وقائد المجاهدين إلى دار السلام، أولى من توجه إليه الإسلام بشكواه وبثه، واستعان به على حماية نسله وحرثه، وكانت مساعيه

<<  <  ج: ص:  >  >>