وأما الوزير فغشي عليه، ولف إياز في مسحٍ، وألقي على الطريق، فركب أجناده وشغبوا ثم تفرقوا، وهذا أمر جره المزاح، نسأل الله السلامة، ثم أخذه قوم من المطوعة، وكفنوه ودفنوه، وعاش نحو الأربعين، وكان من مماليك السلطان ملكشاه، وكان شجاعاً غزير المروءة، ذا خبرة بالحروب، ثم قتلوا وزيره بعد شهرين.
وفيها هلك الطاغية صنجيل الذي حاصر طرابلس في هذه المدة، وبنى بقربها قلعة وكان من شياطين الفرنج ورؤوسهم، ووصل إلى الشام ليحج القدس، فأخذ بأرض صيدا وذهبت حينئذٍ عينه، ودار في بلاد الشام بزي التجار؛ فلما توفي السلطان ملكشاه واختلفت الكلمة دخل إلى بلاده، وجمع الفرنج للحج، وقدم أنطاكية، وحارب المسلمين مرات، وتمكن، ثم شن الغارة من حصنه، فبرز له ابن عمار من طرابلس، وكبس الحصن بغتةً، فقتل من فيه، ورمى النيران في جوانبه، ورجع صنجيل، فدخل الحصن، فانخسف به سقف، ثم مرض وغلب، فصالح صاحب طرابلس، ثم مات في سنة ثمانٍ، فقام بعده ابن أخيه؛ وجد في حصار طرابلس، والأمر بيد الله تعالى.
وفيها توفي الأمير سقمان بن أرتق، وقد كان فخر الملك ابن عمار صاحب طرابلس كاتبه واستنجد به، فتهيأ لذلك، فأتاه وهو على العزم كتاب طغتكين صاحب دمشق: بأني مريض أخاف إن مت أن تملك الفرنج دمشق، فاقدم علي، فبادر إلى دمشق، ووصل إلى القريتين، وأسقط في يد طغتكين وندم، فلم ينشب أن أتاه الخبر بموت سقمان بالقريتين بالخوانيق، وكانت تعتريه كثيراً، فمات في صفر، ورجع به عسكره، ودفن بحصن كيفا، وكان ديناً حازماً مجاهداً، فيه خير في الجملة.
وفيها ثار الباطنية بخراسان، ولم يقفوا مع الهدنة المذكورة فعاثوا بأعمال بيهق، وبيتوا الحجاج الخراسانيين بنواحي الري ووضعوا فيهم السيف، ونجا بعضهم بأسوأ حال.
وقتلوا الإمام أبا جعفر ابن المشاط أحد شيوخ الشافعية، كان يعظ بالري، فلما نزل عن الكرسي وثب عليه باطني فقتله.
وفيها كانت وقعة بين الفرنج ورضوان بن تتش صاحب حلب، فانكسر رضوان؛ وذلك أن تنكري صاحب أنطاكية نازل حصناً، فجمع رضوان عسكراً