وبرز الملك النّاصر والعساكر فنزلوا على برزة شماليّ دمشق، واجتمع له عسكر كبير وتُركمان وأتراك وعجم ومطوّعة، ثمّ رأى تخاذُل عسكره وأنَّه لا طاقة له بالتّتار لكثرتهم فخاف وجبُن، وكان قد صادر النّاس وجبى الأموال وما نفع.
وفيها عبر هولاكو بجيش عظيم الفُرات بعد أن استولى على حرّان، والرُّها، والجزيرة، وأوّل من عدّى الفرات أشموط بن هولاكو في ذي الحجة، فجاء الخبر من البيرة إلى حلب والنّائب بها الملك المعظّم تورانشاه، فجفل النّاس منها، وعظُم الخَطْب، وعم البلاء، وكانت حلب في غاية الحصانة وحُسْن الأسوار المنيعة وقلعتها كذلك وأبلغ، فلمّا كان في العَشْر الأخير من ذي الحجة قصدت التّتار حلب ونزلوا على حيلان وتلك النّاحية، ثم بعثوا طائفةً من عسكرهم فأشرفوا على المدينة، فخرج إليهم عسكر حلب ومعهم خَلْقٌ من المطوّعة، فساروا فرأوا التّتار، فلمّا تحقّقوا كثْرتهم كرّوا راجعين، وأمر نائب حلب أن لا يخرج بعد ذلك أحد، وكتب يستحثّ الملك النّاصر في الكشف عنهم، فلمّا كان من الغد رحل التّتار عن منزلتهم ونازلوا حلب، واجتمع عسكر البلد بالبواشير وإلى ميدان الحصا، وأخذوا في إجالة الرأي، فأشار عليهم نائب السّلطنة أن لا يخرجوا، فلم يوافقه العسكر، وخرجوا ومعهم العوامّ والشُّطّار، واجتمعوا بجبل بانقوسا، ووصل جمع التّتر إلى ذيل الجبل، فحمل عليهم جماعة من العسكر فانهزم التّتر مكيدة، فتبعوهم ساعة، ثمّ كرت التّتار عليهم، فهربوا إلى أصحابهم، ثمّ انهزم الجميع لمّا رأوا التّتار مُقبلين، فركبت التّتار ظهورهم يقتلون فيهم. وقُتل يومئذ الأمير عَلَم الدّين زُرَيق العزيزيّ ونازلت التّتار البلد ذلك اليوم، ثمّ رحلوا عنها طالبين إعزاز، فتسلَّموها بالأمان.
وخرجت السّنة والنّاس في أمرٍ عظيم من الخوف والجلاء والحيْرة.
[سنة ثمان وخمسين وستمائة]
استهلَّتْ والوقت خالٍ من إمامٍ أعظم، وعلى الشّام النّاصر يوسف، فزال ملكه بعد أيّام يسيرة، وصاحب مصر المظفّر قُطُز تملّك في أوائلها، وصاحب