للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحس من نفسي كأني في سنة خفية، ولم يكن إدراكي كالحالة التي أتحققها مني.

وحدثني بعض فقهاء العجم قال: كنا مع شهاب الدين عند القابون، فقلنا: يا مولانا، نريد رأس غنم. فأعطانا عشرة دراهم، فاشترينا رأسًا، ثم تنازعنا نحن والتركماني، فقال الشيخ: روحوا بالرأس وأنا أُرضيه، فتقدمنا، ثم تبعنا الشيخ، فقال التركماني: أعطني رحلي وأرضني. وهو لا يرد فجاء التركماني، وجذب يد الشيخ وقال: كيف تروح وتخليني؟ فإذا بيد الشيخ قد انخلعت من كتفه، وبقيت في يد التركماني، ودمها يشخب. فتحير التركماني، ورماها وهرب، فأخذ الشيخ تلك اليد بيده الأخرى، فلما صار معنا رأينا في يده منديله لا غير.

وقال الضياء صقر: في سنة تسع وسبعين قدم إلى حلب شهاب الدين عمر السهروردي، ونزل في مدرسة الحلاوية، ومدرسها الافتخار الهاشمي، فحضر وبحث وهو لابس دلق، وله إبريق وعكاز. فأخرج له افتخار الدين ثوب عتابي، وبقيارا، وغلالة، ولباسا، وبعثها مع ولده إليه. فسكت عنه، ثم قال: ضع هذا واقضِ لي حاجة. وأخرج فص بلخش كالبيضة، ما ملك أحدٌ مثله وقال: نادِ لي عليه وعرفني. فجاب خمسة وعشرين ألفًا. فأخذه العريف وطلع إلى الملك الظاهر غازي، فدفع فيه ثلاثين ألفًا. فنزل وشاور، فأتاه ابن الافتخار وعرفه، فتألم وصعُب عليه، وأخذ الفص جعله على حجر، وضربه بحجرٍ آخر فتته، وقال: يا ولدي، خُذ هذه الثياب، وقبل يد والدك، وقُل له: لو أردنا الملبوس ما غُلبنا عليه. فراح إلى أبيه، وعرفه فبقي متحيرًا.

وأما السلطان فطلب العريف وقال: أريد الفص. فقال: هو لابن الشريف الافتخار. فركب السلطان، ونزل إلى المدرسة، وقعد في الإيوان وكلمه، فقال السلطان: إن صدق حدسي فهذا الشهاب السهروردي. ثم قام واجتمع به، وأخذه معه إلى القلعة، وصار له شأنٌ عظيم، وبحث مع الفقهاء وعجزهم، واستطال على أهل حلب، وصار يكلمهم كلام من هو أعلى منهم قدرًا، فتعصبوا عليه، وأفتوا في دمه حتى قُتل.

وقيل: إن الملك الظاهر سير إليه من خنقه، ثم بعد مدةٍ نقم على الذين أفتوا في دمه، وحبس جماعةً وأهانهم وصادرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>