للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما نزار، فإن عمته خافت منه، فعاهدت أعيان الدولة على أن تُولي أخاه الآمر، وله ست سنين؛ وخاف نزار فهرب إلى الإسكندرية، وجرت له أمور، ثم قتل بالإسكندرية. وصار أهل الألموت يدعون إلى نزار، فأخذوا قلعة أخرى، وتسرع أهل الجبل من الأعاجم إلى الدخول في دعوتهم، وباينوا المصريين لكونهم قتلوا نزارًا. وبنوا قلعةً ثالثة، واتسع بلاؤهم وبلادهم، وأظهروا شغل الهجوم بالسكين التي سنها لهم علي اليعقوبي، فارتاع منهم الملوك، وصانعوهم بالتحف والأموال.

ثم بعثوا داعيًا من دُعاتهم في حدود الخمسمائة أو بعدها إلى الشام، يُعرف بأبي محمد، فجرت له أمور، إلى أن ملك قلاعًا من بلد جبل السماق، كانت في يد النصيرية. وقام بعده سنان هذا؛ وكان شهمًا، مهيبًا، وله فحولية، وذكاء، وغور. وكان لا يُرى إلا ناسكًا، أو ذاكرًا، أو متخشعا، أو واعظًا، كان يجلس على حجر، ويتكلم كأنه حجر، لا يتحرك منه إلا لسانه، حتى اعتقد جُهالهم فيه الإلهية. وحصل كُتبًا كثيرةً.

وأما صباح فإنه قرر عند أصحابه أن الإمام هو نزار. فلما طال انتظارهم له، وتقاضيهم به قال: إنه بين أعداء، والبلاد شاسعة، ولا يمكنه السلوك، وقد عزم أن يختفي في بطنِ حاملٍ، ويجيء سالمًا، ويستأنف الولادة. فرضوا بذلك - اللهُم ثبت علينا عقولنا وديننا وإيماننا - ثم إنه أحضر جارية مصرية قد أحبلها وقال: إنه قد اختفى في بطن هذه، فأخذوا يعظمونها، ويتخشعون لرؤيتها، ويرتقبون الإمام المنتظر أن يخرج منها، فولدت ولدًا، فسماه حسنًا.

فلما تسلطن خُوارزم شاه محمد بن تكش، واتسع ملكه، وفخم أمره، قصد بلاد هؤلاء الملاحدة، وهي قلاع حصينة، منيعة كبيرة، يقال: إنها ممتدة إلى أطراف الهند.

وقد حكم على الملاحدة بعد صباح ابنه محمد، ثم بعده الحسن بن محمد بن صباح المذكور، فرأى الحسنُ من الحزم أن يتظاهر بالإسلام، وذلك في سنة سبعٍ وستمائة، فادعى أنه رأى عليًا عليه السلام في النوم يأمره أن يُعيد شعار الإسلام من الصلاة والصيام، والأذان، وتحريم الخمر. ثم قص المنام على أصحابه وقال: أليس الدين لي؟ قالوا: بلى. قال: فتارةً أرفع التكاليف،

<<  <  ج: ص:  >  >>