منهم، والرأي أن أخرج عنكم بنفسي إلى غير هذه البلاد لتسلموا أنتم، فقام بين يديه ابن توفيان، من مشايخ هرغة، وقال له: تخاف شيئًا من السماء؟ قال: لا، بل من السماء تنصرون، فقال ابن توفيان: فدع كل من في الأرض يأتينا، ووافقه جميع قبيلته على ذلك القول، فقال: إنما أردت أن أختبر صبركم وثباتكم، وأما الآن فأبشروا بالنصر، وأنكم تغلبون هؤلاء الشرذمة، وبعد قليل تستأصلون دولتهم، وترثون أرضهم، فالتقوا جيش الملثمين فهزموهم، وأخذوا الغنيمة، ووثقت نفوسهم بالمهدي، وأقبلت إليه أفواج القبائل من النواحي ووحدت قبيلة هنتاتة، وهي من أقوى القبائل، إلى أن قال: ثم نهج لهم طريق التودد والآداب، فلا يخاطبون الواحد منهم إلا بضمير الجمع في وقارٍ وبشاشة، ولا يلبسون إلا الثياب القصيرة الرخيصة، ولا يخلون يومًا من طراد ومثاقفة ونضال، وكان في كل قبيلةٍ قومٌ أشرارٌ مفسدون، فنظر ابن تومرت في ذلك، فطلب مشايخ القبائل ووعظهم، وقال: لا يصح دينكم إلا بالنهي عن المنكر، فابحثوا عن كل مفسد وانهوه، فإن لم ينته فاكتبوا أسماءهم، وارفعوها إلي، ففعلوا ذلك ثم أمرهم بذلك ثانيًا وثالثًا.
ثم جمع الأوراق، فأخذ ما تكرر من الأسماء، فأفردها عنده، ثم جمع القبائل كلها وحضهم على أن لا يغيب منهم أحد، ودفع الأسماء التي أفردها إلى عبد الله الونشريسي، الملقب بالبشير، ثم جعل يعرضهم رجلًا رجلًا، فمن وجد اسمه أفرده في جهة الشمال، ومن لم يجده جعله في جهة اليمين، إلى أن عرض القبائل جميعها، ثم أمر بتكتيف جهة الشمال، وقال لقبائلهم: هؤلاء أشقياء من أهل النار قد وجب قتلهم، ثم أمر كل قبيلة أن تقتل أشقياءها، فقتلوا كلهم، وكانت واقعة عجيبة، وقال: بهذا الفعل يصح لكم دينكم ويقوى أمركم، وعلى ذلك استمرت الحالة في جميع بلادهم، ويسمونه: التمييز.
وكان له أصحاب عشرة يسمون أهل عشرة، وأصحاب من رؤوس القبائل سماهم أهل خمسين، كانوا ملازمين مجلسه.
فأما العشرة: فعبد المؤمن، والشيخ أبو إبراهيم الهزرجي، والشيخ أبو حفص عمر بن يحيى الهنتاتي المعروف بعمرآينتي، والشيخ أبو محمد عبد الله