الإحصاء، وأنهم من أصبر خلق الله على القتال، لا يعرفون هزيمة، ويعملون سلاحهم بأيديهم، فندم خوارزم شاه على قتل تجارهم، وحصل عنده فكر زائدٌ، فأحضر الفقيه شهاب الدين الخيوقي فاستشاره، فقال: اجمع عساكرك ويكون التغير عاماً، فإنه يجب على الإسلام ذلك، ثم تسير بالجيوش إلى جانب سيحون، وهو نهر كبير يفصل بين الترك وبلاد ما وراء النهر، فتكون هناك، فإذا وصل إليه العدو وقد سار مسافة بعيدة، لقيناه، ونحن مستريحون، وهم في غاية التعب. فجمع الأمراء واستشارهم، فلم يوافقوه على هذا، بل قالوا: الرأي أن نتركهم يعبرون سيحون إلينا، ويسلكون هذه الجبال والوعر، فإنهم جاهلون بطُرقٌها، ونحن عارفون بها، فنقوى حينئذٍ عليهم ويهلكون.
فبينما هم كذلك إذ قدم رسول جنكزخان يتهدّد خُوارزم شاه ويقول: تقتلون تُجاري وتأخذون أموالهم، استعدوا للحرب، فها أنا واصلٌ إليكم بجمع لا قبل لكم به. وكان قد سار وملك كاشغر وبلا ساغون وأزال عنها التتار الأولين، فلم يظهر لهم أثر، ولا بقي لهم خبر، بل أبادهم، فقتل خُوارزم شاه الرسول، وأما أصحابه فحلق لحاهم، وردهم إلى جنكزخان يقولون له: إنه سائر إليك. وبادر خُوارزم شاه ليسبقَ خبرهٌ ويكبس التتار، فقطع مسيرة أربعة أشهر، فوصل إلى بيوت التتار، فما وجد فيها إلى الحريم فاستباحها، وكان التتار قد ساروا إلى محاربة ملك من ملوك التُرك يقال له كشلوخان فهزموه، وغنموا أمواله، وعادوا فجاءهم الصريخ بما جرى، فجدوا في السير فأدركوا خوارزم شاه، وعملوا معه مصافاً لم يسمع بمثله، واقتتلوا أشد قتال، وبقوا في الحرب ثلاثة أيام ولياليها، وقتل من الطائفتين خلق لا يحصون، وثبت المسلمون وأبلوا بلاء حسناً، وعلموا أنهم إن انهزموا لم يبقَ للمسلمين باقية، وأنهم يؤخذون لبُعدهم عن الديار. وأما الكفار التتار فصبروا لاستنقاذ أموالهم وحريمهم، واشتد بهم الأمر حتى كان أحدهم ينزل عن فرسه وقرنه راجل، فيقتتلان بالسكاكين. وجرى الدم حتى زلقت الخيل فيه من كثرته، واستفرغ