للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المأمون، وعبد الله بن عليّ بن عيسى بن الجراح، ومحمد بن أحمد بن ثابت.

قال الصولي: ما رأيت وزيرًا منذ تُوُفّي القاسم بن عُبَيْد الله أحسن حركةً، ولا أظرف إشارةً، ولا أملح خطًا، ولا أكثر حِفظًا، ولا أسلط قلمًا، ولا أقصد بلاغة، ولا آخذ بقلوب الخلفاء من محمد بن عليّ. وله بعد هذا كلَه عِلمٌ بالإعراب وحِفْظ للُّغة.

قلت: روى ابن مقلة عن ثعلب:

إذا ما تعيب النّاسَ عابوا فأكثروا … عليك وأبدوا منك ما كنت تسترُ

فلا تَعْبنَ خلْقًا بما فيك مثله … وكيف يعيب العُورَ مَن هو أعور

وقال أبو الفضل ابن المأمون: أنشدنا أبو عليّ بن مقلة لنفسه:

إذا أتى الموتُ لميقاتِهِ … فخلّ عن قول الأطبّاءِ

وإن مضى من أنت صبّ به … فالصبر من فعْل الألِبّاء

ما مر شيءٌ ببني آدَمَ … أمرُّ من فقد الأحِباءِ

وقال محمد بن إسماعيل الكاتب المعروف بزنجيّ قال: لمّا نكبَ أبو الحسن بن الفُرات أبا عليّ بن مقلة لم أدخل إليه إلى حبسه ولا كاتبته خوفًا من ابن الفُرات، فلمّا طال أمره كتب إليَّ:

تُرى حُرّمتَ كُتُبُ الأخلّاء بينهم … أبن لي، أمِ القِرْطاس أصبح غاليا؟

فما كان لو ساءلتنا كيفَ حالُنا … وقد دهمتنا نكبة هي ما هيا

صديقك من راعاك عند شديدة … وكُلٌّ تراهُ في الرّخاء مراعيا

فَهَبْكَ عدوّي لا صديقي، فربّما … تكاد الأعادي يرحمون الأعاديا

وأنفذ في طيّ الورقة ورقةً إلى الوزير، فكانت: أمسكتُ أطال الله بقاء الوزير، عن الشَّكْوى حتّى تناهت البَلْوى في النّفس والمّالْ، والجسم والحالْ، إلى ما فيه شفاءٌ للمنتقمْ، وتقويم للمجترمْ، وحتّى أفضيت إلى الحيرة والتَّبَلَّدْ، وعيالي إلى الهتكَة والتَّلَدُّدْ (١). ولا أقول إنّ حالًا أتاها الوزير، أيده الله، في أمري، إلا بحق واجب، وظنٍّ غير كاذب، وعلى كل


(١) التلدد: الحيرة.