للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حال، فلي ذِمام وحُرْمة، وصُحْبة وخدْمة. إن كانت الإساءة أضاعتها، فرعاية الوزير، أيدّه الله، تحفظها، ولا مَفْزَعٌ إلّا إلى الله ولُطْفهْ، ثمّ كَنَف الوزير وعَطْفه. فإن رأى أطال الله بقاءه، أن يَلْحَظَ عبده بعين رأفته، وينعم بإحياء مُهْجته، وتخليصها من العذاب الشّديد، والْجَهْد الجهيد ويجعل له من معروفه نصيبًا، ومن البَلْوَى فرجًا قريبًا، فَعَلَ إن شاءَ الله.

ومن شعره:

لستُ ذا ذلةٍ إذا عضّني الدهـ … ـر ولا شامخًا إذا واتاني

أنا نارٌ في مرتقى نفس الحا … سد ماءٌ جارٍ مع الأخوانٍ

وروى الحُسين بن الحسن الواثقيّ، وكان يخدم في دار ابن مقلة مع حاجبه، أنّ فاكهة ابن مقلة لمّا ولي الوزارة الأوّلة كانت تُشْتَرى له في كل يوم جمعة بخمسمائة دينار. وكان لا بد له أن يشرب بعد الصّلاة من يوم الجمعة، ويصطبح يوم السبت. وحكى أنه رأى الشبكة التي كان أفرخ فيها ابن مقلة الطيور الغريبة، قال: فعمد إلى مربع عظيم، فيه بستان عظيم عدّة جرْبان شجر بلا نخل، فقطع منه قطعة من زاوية كالشابورة، فكان مقدار ذلك جريبين بشِباك إبْريسَم، وعمل في الحائط بيوتًا تأوي إليها الطيور وتفرخ فيها، ثمّ أطلق فيها القماري، والدباسي، والتغابطة، والنوبيات، والشحرور، والزرياب، والهزار، والببغ، والفواخت، والطيور التي من أقاصي البلاد من المصوتة، ومن المليحة الرّيش ممّا لا يَكسر بعضه بعضًا. فتوالدت ووقعَ بعضها على بعض. فتولدت بينها أجناس. ثمّ عمد إلى باقي الصحن فطرحَ فيه الطيور التي لا تطير، كالطواويس، والحجل، والبط، وعمل منطقة أقفاص فيها فاخر الطيور. وجعل من خلف البستان الغزلان، والنَّعام، والأَيْل، وحُمْر الوحش. ولكلّ صحن أبواب تنفتح إلى الصحن الآخر، فيرى من مجلسه سائر ذلك.

وقال محمد بن عبد الملك الهَمَذانيّ في تاريخه (١): إن أبا عليّ بن مقلة حين شرع في بناء داره، التي من جملتها البستان المعروف بالزاهر، على دجلة، جمع ستين منجمًا حتّى اختاروا له وقتًا لبنائه. فكتب إليه شاعرٌ:


(١) تكملة تاريخ الطبري ١١/ ٢٩٩ باختلاف لفظي.