للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مائة مدينة، وصنّف التصانيف الكثيرة، إلى من لم يسمع إلا ببغداد، ولا روى إلا عن بضعة وثمانين نفسًا؟! فأنت لا ينبغي أن يُطلق عليك اسم الحفظ باعتبار اصطلاحنا، بل باعتبار أنك ذو قوة حافظة، وعلم واسع، وفنون كثيرة، واطلاع عظيم، فغفر الله لنا ولك.

ثم تنسبه إلى التعصب على الحنابلة، وإلى سوء القصد، وهذا - والله - ما ظهر لي من أبي سعد، بل والله عقيدته في السنّة أحسن من عقيدتك، فإنك يومًا أشعري، ويومًا حنبلي، وتصانيفك تنبئ بذلك، فما رأينا الحنابلة راضين بعقيدتك ولا الشافعية، وقد رأيناك أخرجت عدة أحاديث في الموضوعات، ثم في مواضع أخَر تحتج بها وتحسّنها، فخِلنا مساكتة.

قال أبو سعد، وذكر ابن ناصر: كان يسكن درب الشاكرية، حافظ، ديّن، ثقة، متقن، ثبْت، لغوي، عارف بالمتون والأسانيد، كثير الصلاة والتلاوة، غير أنه يحبّ أن يقع في الناس، كان يطالع هذا الكتاب، ويُخشى عليه ما يقع له من مثالبهم، والله يغفر له، وهو صحيح القراءة والنقل، وأول سماعه من ابن أبي الصّقر، وذلك في سنة ثلاث وسبعين.

وقال أبو عبد الله ابن النجار (١): كانت لابن ناصر إجازات قديمة من جماعة، كأبي الحسين ابن النقور، وابن هزارمَرد الصريفيني، والأمير ابن ماكولا الحافظ، وغيرهم، أخذها له ابن ماكولا في رحلته إلى البلاد.

قلت: وقرأت بخط الحافظ الضياء: أجاز لأبي الفضل بن ناصر أبو نصر ابن ماكولا، وأبو القاسم علي بن عبد الرحمن بن عليّك في سنة ثمان وستين وأربعمائة، ومحمد بن عبيد الله الصرّام، وأبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن، وفاطمة بنت أبي عليّ الدقّاق، والفضل بن عبد الله بن المحبّ، وعبد الحميد بن عبد الرحمن البحيري، وأحمد بن علي بن خلف الشيرازي.

قلت: ولعله تفرّد بالإجازة عن بعض هؤلاء.

وقال ابن النجار: كان ثقة، ثبتًا، حسن الطريقة، متدينًا، فقيرًا، متعففًا، نظيفًا، نزهًا، وقف كتبه، وخلّف ثيابه وثلاثة دنانير، وكانت ثيابه، خِلقًا، ولم يعقِب، وسمعت مشايخنا ابن الجوزي، وابن سُكينة، وابن الأخضر يُكثرون


(١) التاريخ المجدد، كما في المستفاد منه (٣٠).